ثقافة وفن

فيلم «الأوراق الميتة» ليونس الركاب.. هل سيطرت عيوب السيناريو على عناصر الإبهار وقوة الآداء؟

شادية وغزو الجمعة 23 أكتوبر 2015
فيلم «الأوراق الميتة» ليونس الركاب.. هل سيطرت عيوب السيناريو على عناصر الإبهار وقوة الآداء؟
Cinema Marocain Feuilles Mortes

AHDATH.INFO البيضاء - خاص

احتضنت سينما الريف مساء أمس الخميس العرض ما قبل الأول لفيلم «الأوراق الميتة» للمخرج الشاب يونس الركاب الذي تألق في العديد من المسلسلات والأفلام القصيرة والأفلام التلفزية، قبل أن يقرر دخول عالم السينما وخوض غمار تجربة الفيلم الروائي الطويل، حاملا مشعل والده محمد الركاب مبدع «حلاق درب الفقراء».

«اليوم درت اللي عليا.. ودرت السينما.. وكنطلب منك تسمح ليا ايلا ماوصلتش لداكشي اللي بغيتي» ، كان هذا رد المخرج الشاب عندما طلبت منه قبل انطلاق العرض أن يخاطب روح والده السينمائي الرائد محمد الركاب.. عبارة حتى وإن كانت تعبر عن شعور صانع العمل بالارتياح لتنفيذه وصية والده، إلا أنها تظهر في الوقت ذاته شيئا من التخوف من ثقل المسؤولية، والقلق من مواجهة رياح التساؤلات القوية حول مدى أحقيته بحمل مشعل والده ومواصلة مسيرته، بعد إقدامه على فتح باب الفن السابع ودخوله هذا المجال الذي لا يؤرخ إلا لمشوار الكبار.

العتبة الأولى التي يتم الوقوف عندها في قراءتنا لهذا الفيلم هي «الأفيش» والعنوان المرافق لها، فهذان العنصران يجعلان المشاهد يتصور للوهلة الأولى أنه سيكون على موعد مع فيلم رومانسي يحكي قصة حب حزينة في نهايتها، حكم عليها بأن تذبل وتموت، تماما كأوراق الشجر التي غطت جزءا من ملامح وجه البطل (ربيع القاطي) على الأفيش.

أوراق الأشجار المتساقطة كانت حاضرة بقوة في بداية الفيلم، الذي اختار المخرج أن يصوره في فصل الخريف بمدينة إفران، وكان موفقا في اختياره، حيث أثبت أنه صاحب رؤية، ومتمكن للغاية من أدواته التقنية، سواء تعلق الأمر بحركات الكاميرا، أو زوايا التصوير، لأنه نجح في نقل أجواء شاعرية، وجعل الكاميرا تغازل طبيعة إفران الخلابة التي كانت من أهم عناصر الإبهار في هذا العمل.

غير أن قصة الفيلم تأتي مخالفة للتوقعات، والانطباعات التي تولدت لدى المشاهد من خلال تلك الأجواء الشاعرية، فهي تدور حول فنانة استعراضية تدعى زهرة (تؤدي دورها سناء بحاج) تشتغل في معهد رقص، تستعد لحفل راقص في نهاية السنة، وتعيش مجموعة من الصراعات في سبيل إخراج العمل، ويظهر عليها الارتباك والخوف من ماض يطاردها، يربطه المشاهد في البداية برجل مجهول (يؤدي دوره ربيع القاطي) يلاحقها بملامح مشوهة ومخيفة، ويتعقب خطواتها، ويبدي غيرته كلما لمحها مع رجل، بل وتنتهي علاقة البطلة العابرة بصحافي بقتل الأخير على سريرها.

يظهر مفتش الشرطة (يجسد دوره نبيل عطيف)، ليبحث عن القاتل المفترض،ويهتدي دون عناء إلى طريق الرجل الغريب المتعقب لزهرة، والذي يملك وكالة أسفار.

تبرز  تقنيات التشويق التي تميز الأفلام البوليسية بشكل خافت، وسرعان ما تتلاشى، عندما يتعقب المفتش خطوات صاحب وكالة الأسفار، ويعاين آثار دم على سيارته، ويتأكد من تطابق آثار عجلات الأخيرة مع آثار تلك التي مرت بجوار منزل البطلة، فيقرر مواجهته بجريمته، وما يثبت تورطه فيها من أدلة، ليفاجأ باتصال من رئيسه يخبره  فيه عن جريمة ثانية ذهب ضحيتها زميل زهرة في معهد الرقص، والذي قضى بدوره ليلته الأخيرة في حضنها، لتتحول الفنانة الاستعراضية إلى قاتلة رجال، ويتم الزج بها خلف القضبان.

تتطور الأحداث بشكل سريع وغير منطقي، لتجعل المتفرج يكتشف أن زهرة كانت ضحية عم قاس تسبب في وفاة والدتها، قبل أن يرسلها إلى مستشفى الأمراض العصبية والنفسية للاستيلاء على إرثها، وهناك في المستشفى تتعرض للاغتصاب المتتالي على يد ثلاثة ممرضين.

خلال أطوار المحاكمة التي يغيب فيها المنطق، يقدم صاحب وكالة الأسفار نفسه كشاهد، باعتباره الطبيب الذي كان يشرف على علاج زهرة، وأنه اكتشف عمليات اغتصابها، مما عرضه للضرب من طرف الممرضين الثلاثة وتشويه وجهه بندب بشع على مستوى العين والخد، لكنه لا يوضح أسباب استقراره في نفس المدينة التي تقطن بها البطلة، ولا عدم محاولته منعها من ارتكاب جرائمها، وهو الذي كان مدركا لوضعها النفسي ويراقب تحركاتها باستمرار.

وحدها شهادة الرجل الغريب الذي غير مجال اشتغاله من الطب إلى السياحة كانت كافية لإنقاذ زهرة من السجن!!، لتعود وتتألق في مجال الرقص مستفيدة من دعم السيدة سرفاتي مديرة المعهد اليهودية الديانة (تؤدي دورها ياسمينة زكي)، والتي تبين أنها كانت تربطها علاقة صداقة قوية بوالدي زهرة الراحلين.

مفارقات كثيرة سيطرت على سيناريو الفيلم وأضعفت بنيته السردية، ولو كان يونس الركاب من انفرد بكتابة السيناريو، لرددنا بالتأكيد نفس «الأسطوانة المشروخة» المتمثلة في وجود «أزمة سيناريست» ترغم  المخرج على أن يصير ب«سبع صنايع»، لكن الوضع يختلف في هذا الفيلم، فنحن أمام ثلاثة كتاب تقاسموا مع المخرج هاته المهمة وهم عزيز أبلاغ ومحمد ريان ويونس شارة،

وهنا سنتساءل.. إذا كانت السفينة التي يوجهها قائدان تغرق..  فكيف بالأحرى عندما يوجهها أربعة؟ الجواب أفرجت عنه الأحداث المبعثرة والموزعة بشكل غير منطقي داخل فضاءات الفيلم.

رغم العيوب على مستوى السيناريو، لا يمكن تجاهل الآداء القوي للوجوه التمثيلية المشاركة في هذا العمل، على رأسهم الفنان المتألق ربيع القاطي، الذي أبان عن إمكانيات مهمة في الآداء وتقمص الأدوار، إلى جانب الآداء المقنع لكل من سناء بحاج، نبيل عطيف، ونادية نيازي، وربيع بنشهيلة، وياسمينة زكي.

لم تغب روح الركاب الأب عن عمل الابن، فهي كانت حاضرة من خلال دور المريض النفسي الذي يجسده حميد نجاح باعتباره من الممثلين المميزين في فيلم «حلاق درب الفقراء »، حيث اختار له اسم الركاب، كما اختار له مهنة الفنان عازف البيانو، الذي لم يتخل عن عشقه للفن رغم الحصار الذي يعاني منه داخل مستشفى الأمراض العقلية، وهي الفكرة التي تحمل أكثر من معنى، لعل أبرزها معاناة الفنان المغربي داخل مجتمعه.

فيلم «الأوراق الميتة»، لم يكن بالمستوى الذي يتطلع إليه المشاهد المولع بالأفلام البوليسية، وأفلام التشويق والإثارة، ولا أفلام البسيكو دراما، لكنه قدم لحظات سينمائية خالصة تعد بالكثير من مخرج شاب، مازال يؤمن الكثيرون بأنه امتداد لمحمد الركاب، وينتظرون بتفاؤل أعماله المقبلة.

شادية وغزو