ثقافة وفن

مهرجان مراكش الدولي للفيلم.. الدورة 16 تبدأ من الآن..‎

أسامة خيي السبت 19 ديسمبر 2015
مهرجان مراكش الدولي للفيلم.. الدورة 16 تبدأ من الآن..‎
FIFM 2015 (41)

AHDATH.INFO خاص

انتهت يوم السبت الماضي فعاليات مهرجان مراكش الدولي للفيلم في دورته 15، و المفروض أن الاستعداد للدورة 16 قد بدأ يوم الأحد الموالي، أو ربما قبل ذلك بكثير نظرا للنواقص الجمة و العديدة و الكثيرة التي يجب على المنظمين تفاديها، و بالنظر أيضا للعمل الذي ينتظرهم للخروج من الرؤية الأولى أو التصور الأولي للمهرجان الذي أثبت أنه لم يعد يستجيب لتطلعات المغاربة المتابعين للتظاهرة منذ رأت النور.

ركزنا في عمود الأسبوع المنصرم على ما بدا لنا تقصيرا فاضحا من الناحية الاعلامية خصوصا في علاقاته مع القنوات التلفزية، و أيضا بارتباط مع سقف طموح منخفض يعطينا بالضرورة في المحصلة، نتيجة ضعيفة اعلاميا، سواء تعلق الأمر باشعاع المهرجان، أو اشعاع المدينة و البلد برمته.

وقد توصلت بأراء تصب أغلبها في تثمين ما جاء في العمود من أفكار، لكن ليس هذا هو المهم بالنسبة لي، لأن ما أثار انتباهي، هي هذه الايجابية في التعاطي مع رأي قد يعتبره البعض قاسيا، و التي فسرتها بشكل طبيعي في وجود مدرسة الأحداث المغربية كمؤسسة اعلامية لا يمكن لأحد أن يزايد عليها، لا في حب المغرب، و لا في حب مراكش، و لا في حب السينما.

ولأننا في هذه المؤسسة تعاملنا مع الفن دوما تعامل العاشق العارف، و ليس تعامل المتطفل الهارف، فان موقعنا الالكتروني (أحداث أنفو)، كان أول من أرسل للعالم صورا كثيرة عن المهرجان، بل كانت تغطيتنا لليوم الأول أوفى من تغطية موقع المهرجان الالكتروني الذي لا نعرف كم صرف عليه من ملايين، لكي يكتفي ليلة المهرجان ببضع "تويتات" و خمسة أسطر و صورة يتيمة للجنة التحكيم.

وفي الوقت الذي كنا ننشر فيه على موقعنا صور الحدث السينمائي الدولي، كان من يدخل موقع المهرجان ليلتها، يجده مازال يحتفي بصور..  2014.

لدينا في هذه البلاد صعوبة في تسويق الأشياء الجميلة اعلاميا، لدينا نقص كبير، بل قل ان لدينا فراغ مهول في هذا الميدان، و كنا نأمل أن مهرجانا سينمائيا يشتغل على فن الصورة، سيكون متفوقا في ترويج صورته، لكن للأسف، صدمتنا كانت قوية، و خيبتنا كانت ماثلة أمامنا كصورة القدر المحتوم.

نأسف حقيقة أن يكون الBuzz الوحيد الذي استطاع المهرجان تحقيقه دوليا، هو منح كل الأفلام نجمة لجنة التحكيم، كما لو أننا أمام بابا عيشور يفرق الحلوى على الأطفال اليتامى يوم عاشوراء، و ليس أمام كوبولا العظيم رئيس لجنة تحكيم مهرجان سينمائي يريد أن يكون كبيرا.

كل من له ذرة من عقل و حظ من حكمة و نزر من خبرة و شئ من علم، يعرف جليا أن النذرة هي ما يصنع القيمة، فكل "بضاعة" كثر عرضها يقل ثمنها حتما.

الخطأ في رأيي ليس خطأ كوبولا، بل الخطأ كل الخطأ يقع على المنظمين الذين سمحوا له بهذه المهزلة، بدعوى تكريم السينما، و هي دعوى سخيفة، كما لو أنهم في باقي مهرجانات الفن السابع في العالم، انما يحتفون بالبطاطس و يكرمون الفول الأخضر.

المهرجان هذه السنة فقد احترافيته على أكثر من صعيد، و المغاربة يقولون في دارجهم الجميل "الليلة الفضيلة كاتبان من عند العصر"، و المفروض في مهرجان عالمي أو يطمح أن يكون كذلك، أن يتواصل كما فعل مهرجان برلين مثلا قبل أيام، و أعطى للناس على مستوى العالم رغبة في الحضور، علما بأن تاريخ انعقاده لازال يفصلنا عنه شهرين كاملين، هل فكر مهرجان مراكش في شئ مماثل أو في أمر كهذا؟

ما فعله مهرجان برلين يدفعنا أو يجرنا (على حسب)، للحديث عن التسويق، و هو فن أيضا، و كيف أنهم يذكرون جود لو و نيكول كيدمان كنجوم يعرفهم الخاص و العام، النخبة و الجمهور، هذا في التمثيل، و في الاخراج يكفيهم أن يذكروا الأخوين جويل وإيثان كوهين، ليضمنوا تغطية اعلامية و حضورا وازانا و اهتماما قد يفوق التوقعات.

كلنا طبعا يريد من مهرجان مراكش السينمائي أن يرتقي الى صنف (A)، و لما لا (+A)، لكن المشكلة لاتكمن فقط في عدم قدرته على الاستجابة للمعايير، مشكلة مهرجان مراكش هي مشكلة تصور جامد "un concept figé"، و المصيبة أن التصور تم تجميده و هو ناقص غير مكتمل، و هذه كارثة.

قبل أن يطمح مهرجان مراكش للتنافس مع الكبار على المخرجين الذين أصبحوا يبرمجون الانتهاء من أفلامهم مع قرب بداية المهرجانات صاحبة الصيت والصولة و الصولجان، و ذات السطوة و الحظوة من برلين الى كان، وجب عليه أولا أن يشتغل على نفسه و على محيطه، من يطلب منه الانخراط في المعايير الكبرى كما لو أن الأمر بيده، يريد منه أن يضع العربة أمام الحصان.

مشكلة مهرجان مراكش هي مشكلة تصور و صورة، و اذا لم ينجح في تجاوز هذه المعضلة، فانه لن يستطيع أبدا التنافس مع الكبار حتى لو أراد، حتى لو رغبنا نحن أيضا معه في هذا الأمر.

هناك أولا مشكلة التصور، و يمكن لتجاوزها تدريجيا، التفكير في الفقرات التي ستقوي التظاهرة، البعد الثقافي و الندوات الفكرية، سوق الفيلم المغربي، الحضور العربي (ليس شرطا في المسابقة، ممكن في بانوراما، في خفقة قلب، في تكريم.. الخ)، حضور النجوم العالميين (الممثلين بالدرجة الأولى و بعدد كبير)، ثم التفكير في حفل افتتاح و حفل اختتام يليق بالمدينة و بالسينما و بالمهرجان، عوض تلك الرغبة في الانتهاء سريعا من شئ يشكل عبئا، و هو في الأصل فرصة لعديد أشياء لا تقدر بثمن.

من الفرص التي يمكن أن يخلقها مهرجان مراكش كما خلقها مهرجان كان، و أن تنظم بموازاة انعقاده، هي تظاهرة العلامات التجارية، فمراكش معروفة بأنها أصبحت مقصدا للمشاهير في الرياضة و الفن و المال و الأعمال، لكن نقطة القوة هذه لا تستثمر لتعطي اشعاعا أكبر للمهرجان، ليس من المفروض أن يتكفل منظمو المهرجان أنفسهم بفعاليات مثل هذه، و لكن من الذكاء أن يشجعوا أو يعقدوا شراكات لكي يساهموا في تقوية موعدهم اعلاميا.

الاشتغال على المحيط الذي يكبر فيه المهرجان لن يكون مفيدا فقط على هذا المستوى، و لكن سيكون أكثر افادة لو توجه للساكنة، فكلنا نعلم أن مراكش أكثر سحرا من كان، و أكثر دفئا من برلين، و تستطيع أن تكون أكثر شاعرية من فينيسيا التي تسبح فوق الماء، فالمدينة الحمراء وردة وسط محيط من النخيل و قد عوضت قوارب المدينة الايطالية التي تصل بين دور و قصور النهضة، بالكوتشي الذي يجوب دروب و أزقة احدى أجمل العواصم المغربية التاريخية و يصل رياضاتها قبل دورها و قصورها. لكن ما يجب الانتباه اليه، هو أن المدينة تكبر و تستقبل من القرى المجاورة قاطنين جدد بالآلاف كل سنة، و هي اليوم تتوفر على أحياء جديدة بالعشرات، غير أنها بدون تجهيزات ثقاقية و بدون دور سينما.

كيف نترك عشرات الآلاف من السكان يغرقون في فقرهم الاجتماعي و الثقافي طيلة السنة، ثم ننظم مهرجانا سينمائيا دوليا بمدينتهم في نهايتها؟  الأمر لا يمكن أن يستقيم..

المهرجان يجب أن يشتغل اذن على نفسه و على محيطه، و أن يتحالف مع القنوات التلفزية المغربية أولا، و يجعلها من أذرعه الاعلامية، حتى لا نشاهد السنة المقبلة مذيعة من القناة الأولى تسأل طفلا عمره حوالي 14 سنة عن الأفلام السينمائية التي يفضلها، فيقول لها بكل ثقة بأنه يحب "حديدان"(!).. وهذا دليل ساطع على أن قنوات(نا) التلفزية نجحت ببراعة (في بلد ينظم مهرجانا سينمائيا دوليا) في تكوين جيل بأكمله لا يفرق بين المسلسل و السلسلة و الفيلم، و لا يرى فرقا بين الفيلم التلفزي و الفيلم السينمائي، و هذا أسوء ما يمكن أن يعيق مستقبلا، استمرار أي مهرجان دولي للفيلم.. ينظم في هذا البلد..

شادي عبد الحميد الحجوجي