ثقافة وفن

الباحث الأمازيغي الحسين الجهادي: عظمة الله لا تختصر في حروف بلغة معينة.. وألفاظ القرآن تحارب احتكار لغة بالذات

سكينة بنزين الثلاثاء 26 أبريل 2016
الباحث الأمازيغي الحسين الجهادي: عظمة الله لا تختصر في حروف بلغة معينة.. وألفاظ القرآن تحارب احتكار لغة بالذات
tamaz

AHDATH.INFO - خاص - حاورته سكينة بنزين

ما حاجة المغاربة لترجمة القرآن باللغة الأمازيغية بعد انفتاحهم على الثقافة واللغة العربية لقرون ؟ سؤال يطرحه عدد من المعارضين لفكرة ترجمة القرآن بدعوى أن الأمر لا يندرج في خانة الضروريات كما هو الحال لمن يحتاج فهم معاني القرآن من خارج الثقافة العربية.. تبرير ترفضه أصوات أمازيغية ترى أن النص القرآني نفسه يحتفي بتنوع الألسن، ويفسح المجال لملامسة جوهر القرآن بعيدا عن حرف معين معتبرين الأمر محاولة لاحتكار فهم الدين وفق تصور عرق محدد.

في الحوار التالي يقربنا الباحث والمترجم الحسين الجهادي البعمراني، صاحب الخطوة الجريئة في ترجمة القرآن و صحيح البخاري، من التصور الأمازيغي لفكرة الترجمة كوسيلة لإتاحة الفهم لشريحة مهمة من غير الناطقين باللغة العربية، أو أولئك المتشبعين بثقافة مغايرة للثقافة العربية مما يحول دون الاستيعاب الكامل لمعاني القرآن.

 

joha

شكلت تجربتك في ترجمة القرآن خطوة جريئة انتهت بهجوم شرس عليك، ما الدافع لخوض هذه المغامرة منذ البداية؟

الدافع هو حاجتي الماسة كأمازيغي لفهم القرآن، فقد كنت من حملة كتاب الله بعدد من الروايات في سن صغير، لكن رغم تفوقي في الحفظ كنت أجد صعوبة كبيرة في الفهم، و أحيانا كنت ألاحظ أن فهم القرآن صعب للغاية حتى على من درسنا عليهم، وكثيرا ما لا يتقبلون منا حتى الأسئلة حول فهم القرآن، ويوصون فقط بثبوت أجره بفهم أو بغير فهم، وهنا فهمت أن هذا التعنت في فتح باب النقاش حول معاني القرآن كان نوعا من العجز، أو رغبة في احتكار المعاني من طرف جهة واحدة.

وبما أنني قرأت التاريخ، ودرست بإمعان تاريخ الاسلام، فقد وجدت أن هذا القرآن لو فهمه المسلمون على حقيقته، لما وقعوا في الفتنة الكبرى وتوابعها المستمرة حتى الآن، والتي بدأت في مهبط الرسالات، فما بالك بالغرب الإسلامي الأمازيغي الذي يتعرض بسهولة للإستلاب المُصدَّر بتأويلات وتفسيرات وتخريجات، مع الغوص في النحويات والتعميق في الروايات، وإدخال الأحاديث والشعر العربي لتبليغ الأهداف السياسية انطلاقا من الإحتكار الذي تبرأ منه الإسلام.

وعندما رأيت أن مشكل الفهم رهين باللغة، فالقرآن كان بلغة قريش، كما أن التوراة بالعبرية، والانجيل بالسريانية، وهكذا جميع لغات الرسل أجمعين، فمال بال الأمة الأمازيغية إذن؟ أليست لهم لغتهم الخاصة؟ لفظا وحرفا منذ أقدم العصور؟ ألم يشر الله تعالى في كتابه بالقول «ومن آياته خلق السماوات والأرض و اختلاف ألسنتكم وألوانكم»، كما أن القرآن نفسه تضمن ألفاظا عبرية وسريانية وفارسية ورومانية وحبشية وأمازيغية وفهمت من ذلك أنه يحارب الاحتكار من خلال الاستقراض من اللغات الأخرى، كما أن اطلاعي على عدد من ترجمات القرآن الكريم بلغات مختلفة حوالي خمسين ترجمة، تبين لي واضحا أن المشكل ليس في اللغة، ولكنها رغبة في احتكار القرآن من طرف جهة واحدة، ومن ثم تحديت هذا الجانب، فعكفت على ترجمة معاني القرآن.

 من المبررات التي يرفعها المهاجمون لفكرة ترجمة المعاني بالأمازيغية أنها ليست خطوة ملحة بما أن أمازيغ المغرب لهم إمكانية تعلم العربية على عكس الغرب مثلا، في الوقت الذي يرى فيه البعض أن الأمازيغية عاجزة عن نقل معاني القرآن مقارنة ببلاغة العربية؟

 كأمازيغي أقول أننا حفظنا القرآن في الصغر وهذه خطوة جيدة أشجع عليها لحد الساعة لأنها تقوي ملكة الحفظ والدقة، لكننا لم نكن نفهم أي شيء من معانيه لأن العربية ليست لغتي الأم كأمازيغي، ولست مستعدا للتخلي عن هويتي خاصة أن القرآن يقر بإختلاف الألوان والألسن، لذلك الحاجة للترجمة مهمة جدا، رغم الأصوات المعارضة لها، ولذلك قمت بالعملية في سرية تامة لمدة 12 سنة خصصتها لترجمة القرآن، قبل أن أنتقل لترجمة البخاري وقد امتلكت من التفتح الفكري ما جعلني أقتنع بجمع المعجم الأمازيغي في مظانه، وذلك داخل مكتبات غربية تتوفر على مخطوطات أمازيغية تترجم معاني القرآن، ومثال ذلك مكتبة هولندا التي اعتكفت فيها مدة 12 يوما، كما توفرت خزانتي الخاصة على الأمهات العربية، فشرعت في الموضوع بنية حسنة لنقل الأمانة العلمية بكل امعان مستوحاة من تفاسير ومقارنات.. فوجدت أن اللغة الأمازيغية قادرة على ترجمة معاني القرآن الكريم، وقادرة على المحافظة على لغة الأمازيغ كما حفظ القرآن على لغة العرب، وهذا ما رفضه المحتكرون في وطننا الذين لم يترددوا في إتلاف عدد من المخطوطات، أو حتى التكتم على وجود إمكانية لترجمة القرآن للأمازيغية منذ عقود، حيث تفاجأت خلال زيارتي لمصر، بوجود فتوى صادرة عن الأزهر بتاريخ 1912 تبيح ترجمة القرآن للأمازيغية بشمال إفريقيا، وقد استغربت لماذا تكتم كل الأعلام المغاربة الذين درسوا في المشرق والأزهر خصوصا عن وجود هذه الفتوى، ولم يكلفوا أنفسهم عناء نقل هذه المعلومة التي كانت ستفتح باب الترجمة لمعاني القرآن بالأمازيغية لتفسح للحافظين الفهم الحقيقي للإسلام بعيدا عن الوصاية.

أما القول أن الأمازيغية قاصرة عن نقل المعنى، و أنها لا تتوفر على شروط البلاغة فهذا أمر مردود، لأن المقدسين للغة العربية من خلال الخلط بين كون القرآن عربي يحيل على لسان من نزل فيهم، لا كون الله تكلم بها، لأن كلام الله ليس بصوت ولا حرف، والقرآن صوت وحروف، ومن قال هذا فهو يجسد، لذلك كلمة أنزلناه قرآنا عربيا، تحيل على إشكالية فهم لفظة عربيا، التي تعني مفهوما .. وأنا أقول أن عظمة الله لا تختصر في حروف بلغة معينة، بل في المعاني التي تحملها هذه الحروف والتي يمكن نقلها وتذوقها بلغة أخرى.

وقد سبق لي حين كنت طالبا أن وقفت عند إشكالية البلاغة التي يود البعض اختزالها في العربية، حيث يعتقد البعض في التشبيه أن عبارة فلان كالأسد، أو كالقمر فيها نوع من المدح، لكن باستحضار العلم لفهم الأدب ، يمكن أن أقول أن تشبيه شخص بالأسد فيه إخراج له من صفة الانسانية ورميه بالتوحش .. هذا نوع من الفهم البعيد عن وضع قواعد محددة والقول أنها ثابتة غير قابلة للفهم .

كيف تتعامل مع ردود الفعل الرافضة لترجمة القرآن؟

كنت أعتقد أن هذه الترجمة الأمازيغية للقرآن ستنال قبولا إلى جانب المترجمات الكثيرة بالأمازيغية، فإذا بالفتاوي تنهال من بعض المتفيقهين ثارة بالقتل، وطورا بالضرب، وثالثا بالمحاربة ورابعا باحراق العمل، وخامسا بالردة لتنجيس القرآن بالأمازيغية .. أليس ذلك عنصرية ؟!

وقد اتهمت بأنني أدعوا الناس للصلاة به، وهذا أمر غير صحيح، وإن كان أبو حنيفة أجاز الأمر .. لكن في نهاية المطاف أرى أن عظمة الله لا تختصر في حرف معين .. وأنا أطلب من الله أن يقبل عملي مهما كان رد الفعل.