آراء وأعمدة

أمريكا و الحكم الذاتي في الصحراء المغربية.. "أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب"!!

أسامة خيي السبت 07 مايو 2016
OK
OK

AHDATH.INFO  خاص

عندما قدمت الولايات المتحدة مشروع قرار (ها) إلى مجلس الأمن، بعد أن صاغته و تكلفت باستدعاء كل مفردات "الحزم" و"الأمر" و "الفرض" و "الالزام"، خيل لي أن ممثلة أمريكا و فريقها قد اشتغلوا بنفس العداء الذي يتسلحون به عندما يصيغون قرارات تهم النظام السوري.

و المسألة ليست غريبة عندما نعلم أن هناك اتجاها داخل صناع القرار في أمريكا لا يفرق في العمق بين سوريا و المغرب، بالنسبة له، هي نفس المنطقة، و نفس الخطة، و نفس الشعوب، و نفس المصير، و نفس الخرائط.

الأمر الثاني الذي أثار انتباهي، أن الكلمة و الفاصلة و النقطة في مشروع القرار الأمريكي كانت موضوع تفاوض، نفس الوضع يتكرر دوما في مجلس الأمن، في قضية المغرب الأولى كما في باقي القضايا الدولية، و هذا يعني أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي عاش وسط هذه الأجواء طيلة عشر سنوات تقريبا، يعرف و يعي جيدا أن أي كلمة لها وزن، و لها معنى، و لها تبعات، فما بالك بكلمة "احتلال".

بان كي مون لم يستعمل كلمة "احتلال" لوصف تواجد المغرب في أقاليمه الجنوبية اعتباطا، أنا "أزعم" أن الأمر كان مخططا له و مرغوبا فيه لغاية محددة، ففي سياسة الاستنزاف التي تتقنها أمريكا، هناك دائما "تقنية" لادامة "صراع" ما و تأبيده، و هو تقوية الطرف الضعيف و اضعاف الطرف القوي، و في التحليل الأمريكي اليوم، المغرب قوي أكثر من اللازم، ليس في قضية الصحراء فقط، و لكن على المستوى الاقليمي أيضا.

أمريكا تمد الطرف الضعيف اليوم في قضية الصحراء بما يقويه بعض الشئ في صراعه، و عندما نرى أن المساندين للبوليساريو أصبحوا يدخلون ما قاله بان كي مون أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة في أدبياتهم، و يرفعون تصريحه ووصفه لتواجد المغرب في الصحراء بأنه "احتلال" كأنه حقيقة أممية، نعلم أن المراد قد تحقق، و للأسف، فتصريح بان كي مون قد أصبح، أردنا ذلك أم أبينا، حقيقة تاريخية سيكون لها تبعات مستقبلا مادام الصراع على الصحراء قائما.

و حتى لا نظلم بان كي مون، فرأس الأفعى هو كريستوفر روس، المبعوث الأمريكي لتخريب المنطقة، أقصد المبعوث الأممي للمنطقة.

كل من له دراية بالملف يعرف أن برنامج بان كي مون في زيارته لمنطقتنا كان من توضيب كريستوفر روس، و يعلم أن هذا الأخير له "سلطة" على فريق الأمين العام المكلف بالصحراء، و أن تواصله معهم يتم بشكل مباشر، و أن موقف كريستوفر روس من المغرب أصبح موقف شخصي، و مسألة كرامة، و انتقام من اهانة وجهها له المغرب عندما رفض وساطته.

و حتى لا نظلم كريستوفر روس أيضا، فمشروعه في الحقيقة هو مشروع أمريكا، و لذلك فهي تسانده قلبا و قالبا. أنا في الحقيقة أصاب بالذهول عندما أرى مسؤولينا يبحثون عن أي حديث لسفير أمريكا يذكر فيه الحكم الذاتي في الصحراء، أو جواب لكاتب الدولة الأمريكي في الخارجية، وحبذا لو كان تصريحا لأوباما، في الوقت الذي كان فيه تشبت أمريكا بكريستوفر روس أكبر صفعة تلقتها ديبلوماسيتنا المهزوزة في قضية الحكم الذاتي هذه، و لم يسأل أحد نفسه، لماذا أمريكا التي "تساند" المقترح المغربي، حريصة على أن يتمم مبعوثها ولايته و ينفذ خطته التي لا علاقة لها بالحكم الذاتي؟

يجب أن نتوقف عن الكذب على أنفسنا، كريستوفر روس مكلف بتوفير الظروف لفرض الانفصال في نهاية المطاف، حتى ولو مر من "الفيدرالية " أو "الكونفدرالية" أو "الارتباط الحر" أو أي مصطلح "يخفف" من كلمة "استقالال" أو "انفصال"، و هو يجتهد، و قد اتهم المغرب وفاء لخطته بأنه قوة "احتلال"، و ليكون للاتهام وقع مدوي، بعثه مع الأمين العام للأمم المتحدة، وهذا لمن له قدرة على التمييز، أكبر أثرا في الزمان، ذلك أن هذه مجرد بداية، ولا يجب علينا أن نتوهم العكس، مادام أن ديبلوماسيتنا تتنازل في كل مرة عن قراراتها دون أن تتعلم الدروس.

رجوع أفراد المينورسو الذين طردهم المغرب سيكون خطأ فادحا

كل المشاكل التي نعيشها اليوم في قضيتنا الوطنية هي نتيجة لدبلوماسية بنفس قصير، تطلع للجبل دون مؤونة، و دون أن نرجع للتاريخ القديم، دعونا مع كريستوفر روس، لقد رفضنا وساطته، و مع ذلك تراجعنا تحت ضغط "صديق" يعتبرنا "حليفا استراتيجيا" (كذا)، و هو الأمر الذي لم يصنعه مع الجزائر أيام رفضت بكل قوة بيتر فان والسوم المبعوث السابق، عندما صرح بأن استقلال الصحراء هو أمر مستحيل و غير واقعي.

بالنسبة لي، عندما وافقت و توافقت أمريكا مع الجزائر، رغم أن هذه الأخيرة رسميا ليست "صديقة" و ليست "حليفا استراتيجيا" لبلاد العم سام، في قضية فان والسوم، فانها في العمق، انما عبرت عن قناعتها المخالفة لما وصل اليه المبعوث الأممي السابق، أي أنها بكل بساطة، و رغم الماكياج، تعتبر استقلال الصحراء أمرا ممكنا، يكفي فقط ايجاد المبعوث المناسب، وقد وجدته.

وبالرغم من أن قضية الصحراء بالنسبة للمغرب هي قضية وجود، فان ديبلوماسية التراجع عن القرارات الصائبة، وهو تراجع يحفر قبرنا كأمة، مازالت مستمرة، نفس الخطأ الذي ارتكبناه عندما قبلنا برجوع كريستوفر روس، سنكرره مع الشق المدني و السياسي للمينورسو، و بعدها سنبدأ في الشكوى و البكاء و القول بأنهم غير نزهاء و غير محايدين، أو أنهم لا يفعولون شيئا.. بلا بلا بلا..

حان الوقت ليقود المغرب الهجوم، و أن يتوقف عن ردود الأفعال، حتى ولو كانت قوية، يجب أن يبدأ معركة تغيير طبيعة مهام البعثة الأممية في الصحراء و تسميتها، لكي تنحصر في مراقبة وقف اطلاق النار، و ازالة الألغام.

يجب أن تعلم ديبلوماسيتنا أن عودة الشق المدني للصحراء معناه أنها ستتكلف بمراقبة حقوق الانسان عاجلا أو آجلا، بعد سنتين أو ثلاث سنوات، الأمر ضروري بالنسبة للخطة الأمريكية، يجب ألا ننسى 2013، أمريكا تتسلح بطول النفس في مخططاتها التجزيئية، ولا ينبغي للمغرب أن يسهل عليها المأمورية، في انتظار أن يقنعها بأن من مصلحتها أن يكون هناك مغرب قوي مستقر ديمقراطي في جنوب المتوسط.

اذا كان الاستفتاء مستحيلا في الصحراء لعدم وجود اتفاق على الكتلة الناخبة، فان وجود بعثة أممية مهمتها تنظيم استفتاء مستحيل، هو عبث كبير، و الموافقة عليه سيؤدي المغرب ثمنه غاليا، طرد البعثة هي هدية من السماء، يجب ألا ترد.

المفاوضات مع البوليساريو واستثناء الجزائر مضيعة للوقت

في القرار الأممي الأخير دعوة للمفاوضات مع البوليساريو دون "شروط مسبقة"، أي التفاوض في الفراغ، و دون أي اطار، و دون أرضية، و بالتالي دون أي هدف. على المغرب أن يرفض هذا العبث، البوليساريو "منظمة" ليس لها أي استقلالية قرار، و التفاوض معها مضيعة للوقت، هي "جبهة" تمويلها جزائري و سلاحها جزائري و مقر ديبلوماسيتها في كل أنحاء العالم هي سفارات الجزائر، التفاوض اذن وجب أن يكون مع الجزائر أولا يكون.

على المغرب أن يفرض أجندته، لا أن يتبع و يكتفي بردود الأفعال، الأجندة يجب أن تتوجه الى ضرورة احصاء المحتجزين حتى نعرف باسم من تتحدث البوليساريو، فبلادنا يجب أن ترفض أن تتحدث البوليساريو باسم "شعب" أغلب أفراده لا يعترفون بها كممثل لهم، بل أكثر من هذا، أغلب أفراده لهم ممثليهم في الأقاليم الجنوبية، و هم من يجب أن يحضروا المفاوضات باعتبارهم ممثلي أكبر عدد من الصحراويين.

لا مفاوضات اذن قبل الاحصاء و استفادة المحتجزين من بطاقة لاجئ حتى يستحقوا لقب لاجئين، لأن من يوجد اليوم في تندوف ليسو لاجئين، لأنهم لا يتمتعون بأي حق من حقوق اللجوء.

على المغرب أن يفضح الأمين العام للأمم المتحدة أمام العالم، باتهامه صراحة بأن عدم قدرته على احصاء من يوجد في مخيمات تندوف، هي التي تزيد من معاناتهم، فليس المغرب "المحتل" من يرفض احصائهم أو سؤالهم ان كانوا برغبون في الالتحاق بأرضهم معززين مكرمين، من يرفض هو الجزائر بتشجيع من الأمانة العامة للأمم المنحدة التي تريد مخيمات بؤس ليبكي عليها بان كي مون و يرق أمامها قلبه المسكين، في الوقت الذي لم يكن لها أن تستمر لو قام هذا المنافق بمهامه كما يجب.

تنفيذ مخطط الحكم الذاتي الآن سيكون خطأ فادحا آخر

بعد ما جرى مؤخرا في الأمم المتحدة، تعالت أصوات تطالب بالاسراع بتنفيذ الحكم الذاتي على الأرض، باعتبار أن هذا سيشجع الحل أو سيشجع عودة بعض الأفراد الذين ينتظرون تطبيقه.. الخ الخ الخ.

الحقيقة أن أقوال العقلاء يجب أن تكون بعيدة عن هذا العبث، ذلك أن الحكم الذاتي هو أقصى ما يمكن للمغرب تقديمه في هذه القضية، و لهذا فلا يمكن عقلا و منطقا وواقعا تنزيله الا بعد موافقة جميع الأطراف و تحت اشراف الأمم المتحدة.

لماذا نريد من البوليساريو أن تقبل بالحكم الذاتي اذا أصبح مكتسبا على الأرض ؟ هل هناك من عاقل في هذه البلاد أم هو العبث في أبهى تجلياته ؟

في المقابل، لدينا مشروع جهوية موسعة نص عليه دستور المملكة، و هو لا يزال حبرا على ورق، و النبهاء الذين "يقفزون" كيفما اتفق، كان من الأفضل أن تكون دعوتهم هي الاسراع بالتنزيل الفعلي للجهوية الموسعة بلاتمركز حقيقي له معنى، حتى يتدرب اخواننا في الجنوب كما في الشمال كما في الغرب كما في الشرق، على شئ أقرب للحكم الذاتي منه الى الحكم المركزي الذي لم يعد يشبه هذا العصر.

و ماذا لو كانت الحرب ضرورية للوصول الى الحل السياسي ؟

عندما أسمع كثيرا من المغاربة (وأنا منهم) يتحدثون عن المشروع التنموي الجديد في الأقاليم الجنوبية، و عن الحكم الذاتي و الجهوية الموسعة و اللاتمركز الاداري.. الخ، كمداخل لكسب قضية الصحراء، أتساءل بكل "براءة"، ماذا لو كانت الحرب ضرورية للوصول للحل السياسي ؟

كنت قبل بضعة أيام في قطار يربط بين فاس و مراكش، و من حسن حظي أنني التقيت طالبا منحدرا من الأقاليم الجنوبية للمملكة، و كعادتي في مثل هذه "الفرص"، لا أضع لساني في جيبي، و لذلك فاتحته في موضوع الصحراء و القرار الأخير، و الحقيقة أنه فاجئني بمقاربة أخرى للموضوع. أول فكرة دافع عنها هي "الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية"، لكن مبرراته كانت مرتبطة بالطبيعة القبلية للمنطقة أكثر مما كانت مرتبطة بحسم الصراع أو التطلع الديمقراطي، و هذا ما أدهشني، فقد قال لي أن نجاح "حكم" قبيلة صحراوية لقبيلة أخرى هي أن تكون تحت سيادة غير قبلية، و الا فانه التطاحن و الفرقة و الفوضى، و عند سؤاله عن رؤيته لحل الصراع، قال لي صراحة: "الحرب"، ذلك أنه لا يتصور بأن الجزائر ستقبل يوما ما بسيادة المغرب على صحرائه، و تلويح البوليساريو بالحرب ليس الا تلويحا جزائريا، ثم أضاف: "هناك أغنياء حرب في الصحراء يغتنون من "السلام" أو من حالة لا حرب لا سلم، و اذا سألتهم عن امكانية أن يحسم المغرب عسكريا، قالوا لك ان هذا سيكون له تبعات سيئة، لكن عندما يسمعون بأن البوليساريو تلوح بالحرب فان هذا لا يثير فيهم هذا الجواب العقلاني، بل ربما يعتبرون تلويح الجبهة بالحرب ضغطا مفيدا لهم للمزيد من الاستفادة، هم هكذا أغنياء الحرب للأسف الشديد"..

لا أخفي أنني صدمت من صراحته، لكنني احترمته كثيرا لأنه خرج عن لغة الخشب التي نسمعها عادة عندما نتطرق لمثل هذه المواضيع الحساسة، هذا اذا لم نسمع "الصحراء في مغربها و المغرب في صحرائه" كخلاصة لما نعرفه عن قضية الصحراء.

الخطير، هو أن مجلس الأمن يريد من المغرب أن يتخلى عن صحرائه بدون حرب، و هو يربحنا في لعبة الشطرنج هاته، و يغرينا ببعض الجنود حتى نتوهم أننا ننتصر، أو أننا حققنا اختراقا.

التلويح بالحرب، يجب ألا يكون اختصاصا للبوليساريو، و على المغرب أن يضع في حسبانه أن قضية الصحراء ربما ستربح بالحرب، و اذا لم نربحها بالحرب، فيجب ألا يستفيد منها أحد.

الموقف الروسي من قضية الصحراء و ضرورة الانتباه الى أن التحالفات لها ثمن سلبا و ايجابا

بعد امتناع روسيا عن التصويت، خرج علينا ب"خفة" من اعتبر الأمر مفاجئا (كذا)، كما لو أننا نشتري من روسيا سلاحا بملايير الدولارات كما تفعل الجزائر، أو كما لو أن زيارة جلالة الملك الأخيرة ستنسف تحالف روسيا مع الجزائر و ايران بين عشية و ضحاها، زيارة جلالة الملك لروسيا كانت قرارا ذكيا، وهي تلعب على المدى المتوسط و البعيد، لذلك لا يجب أن نتسرع في الحكم على النتائج، فالشراكة الاستراتيجية هي رابح / رابح، وهذا يلزمنا طرح السؤال الضروري: ماذا سنقدم لروسيا مما لا تستطيع الجزائر تقديمه ؟

الجزائر تقدم لروسيا صفقات سلاح بالملايير، و هي حليفة لها في الملف السوري مع ايران، زيادة على التاريخ "الايديولوجي" المشترك، و اذا كنا أول من اعترف بالولايات المتحدة الأمريكية، و كنا حلفائها في الحرب الباردة، و بعدها في الحرب على الارهاب، و مع ذلك قدمت لنا قرارا للتصويت، فلماذا نلوم روسيا ؟

روسيا لها أيضا حساسية مفرطة من تحالفنا مع دول الخليج، انها تنظر لهذه الدول على أنها كانت أداة أمريكا أيام حرب أفغانستان، و استمرت كذلك في خدمة أمريكا التي استعملتهم في حرب الشيشان لاضعافها، اضافة لما حصل في البوسنة، و ما حصل في ليبيا حيث التحالف الخليجي الأمريكي لاسقاط القذافي، و قبلها لاسقاط صدام، و اليوم لاسقاط حليف روسيا في المنطقة بشار الأسد.

التحالفات مسألة معقدة في العالم اليوم، فلا يمكن أن تتحالف ضد روسيا في سوريا، و تطلب منها أن تتحالف معك في قضيتك، الأمر ليس بهذه البساطة..

اتفاق التبادل الحر مع أمريكا.. من باعنا هذا القرد ؟

التحالف "الاستراتيجي" مع روسيا، يجرنا للحديث عن التحالف "الاستراتيجي" أيضا مع أمريكا، و أحد تجلياته، اتفاق التبادل الحر، لنتسائل من باعنا هذا القرد ؟ ثم ضحك علينا لأننا اشتريناه..

لن أرجع للاستثناءات، أو ما رشح عن امتيازات صناعة الأدوية الأمريكية و غيرها من الأمور التي أسالت مدادا كثيرا حينها، لكن لابد من التذكير أن أمريكا و قبل محكمة العدل الأوروبية، هي من استثنت أقاليمنا الجنوبية من الاتفاقية، و كرست بذلك سابقة يستفيد منها خصوم وحدتنا الترابية.

وهنا من الضروري القول بأننا وقعنا اتفاقا، استفادت منه البوليساريو واقعيا و استراتيجيا و رمزيا، أكثر منا. ليس هذا فقط، الحكومة الأمريكية تمول اليوم برامج في الأقاليم الجنوبية، لكن دون أن تعيد النظر في اتفاقية التبادل الحر، و لو تم الأمر لكانت الاستفادة الاقتصادية أعم و أشمل و أكبر، و عوض المساعدات، كانت ستكون الصادرات و المعامل و الشركات، و نخرج من منطق التسول الى منطق الانتاج، أليس هذا هدف التبادل الحر ؟

أمريكا باعتنا قردا، و من الواضح أن اتفاق التبادل الحر ليس له لحد الآن مضمون حقيقي، و حتى عندما أتت مؤخرا بعثة من أمريكا ضحكت علينا ببعض التصريحات البلهاء من قبيل تصريح قائدها أن الولايات المتحدة لها امكانية أن تستثمر في دول كثيرة لكنها تختار المغرب لأمنه و استقراره (كذا).

فأما أن الولايات المتحدة لها امكانية الاستثمار في دول كثيرة فهذا صحيح، و أما أنها تختار المغرب فغير صحيح، ذلك أن استثمارات أمريكا في دول أقل أمنا و استقرارا من المغرب أكثر بكثير مما يصلنا في هذه البلاد و بالأرقام لمن أراد، و نسبة الاستثمار الأمريكي في المغرب قياسا لاستثمارها في العالم، نسبة مخجلة.

عندما سمعت أمريكا بأن المغرب سيوقع اتفاقا للتبادل الحر مع الصين، تدخلت من وراء الكواليس حتى لا يصبح اتفاقنا معها مربحا لنا و لمنافس لها في السوق العالمية، و المؤسف أن الاتفاق مع الصين تأجل (هكذا بقدرة قادر)، هذه الأيام تم اخراجه كفزاعة، لكننا لا نطرح على أنفسنا سؤالا بسيطا: عندما تريد أمريكا أن توقع اتفاقا للتبادل الحر مع أي بلد، حتى ولو كان مضرا بنا (الاتفاق الجاري التفاوض بشأنه مع الاتحاد الأوروبي) هل تأخد اذنا منا ؟

أنا شخصيا، لست فقط مع اتفاق للتبادل الحر مع الصين، بل حتى مع روسيا، و أي قوة اقتصادية أخرى، و مع الصين تحديدا، حتى لو أتت بعمالها، فان المحصلة المالية و الاقتصادية و الميزان التجاري و غيرها من النقاط، ستكون لصالح المغرب، أنا أفضل أن تستمر طنجة في استعادة طابعها الدولي و لما لا البدئ باهداء بضع هكتارات لحكومة بكين لتبني (China Town) حقيقية في مدينة البوغاز بأعلى المعايير المعمارية و السياحية ؟

الصحراء المغربية يجب أن تتحول لقضية وطنية في فرنسا و اسبانيا و كل جنوب و غرب أوروبا

عند حديثنا عن أمريكا و اختلال علاقتنا معها، و سياستها التي لا صديق دائم فيها، لا يجب أن نسقط في ردود أفعال غبية، ونبدأ في رعاية الكره اتجاه أمريكا و ثقافتها و حريتها و ديمقراطيتها و علمها و حضارتها (رغم قصر عمرها)، لأن ذلك، فضلا عن كونه غير مفيد عمليا، فانه يمنعنا من التفكير بشكل صحيح، فأمريكا متعددة، و فرصنا لكي نبقى أصدقاء متوفرة و موجودة، لكن يلزمها عمل جاد غير موسمي، و هذا للأسف أمر غير موجود يالشكل المطلوب.

نعم، من حقنا أن نغضب من أمريكا، كما أفعل أنا كأي مواطن مغربي، لكن هذا الغضب يجب أن يتحول الى عمل ذكي نقنع من خلاله أمريكا أن من مصلحتها أن يبقى المغرب قويا و مزدهرا و حرا و حليفا استراتيجيا موثوقا، هل لدينا الموارد البشرية اللازمة و النفس الطويل و الذكاء الضروري ؟ المستقبل القريب سيجيبنا.

في انتظار ذلك، على فرنسا و اسبانيا و كل جنوب و غرب أوروبا خصوصا، أن يعلم أن ترك أمريكا البعيدة تستأثر بهذا الملف و فرض تظرتها بشأنه على الجميع، أمر غير ممكن، بل يشكل عملية انتحار جماعي لمنطقة غرب المتوسط ولأوروبا بأكملها.

في الموضوع السوري، مسؤولية أمريكا في تغيير الخرائط كبيرة جدا، لكن أوروبا من أدت الثمن من استقرارها و نموذجها و أمنها، وهي من تغرق اليوم في المستنقع السوري من خلال ملايين المهاجرين، مع أن سوريا بعيدة بآلاف الكيلوميترات عن القارة العجوز.

اذا تم دفع المغرب أكثر مما يلزم في قضية الصحراء، فعلى فرنسا و اسبانيا أن ينقلا الى باقي جيرانهم الأوروبيين، أن المغرب لا يفصله عن أوروبا سوى 15 كيلومترا على أقصى تقدير، و أنه اذا انشغل مضطرا بحرب في جنوبه، مع ما يجري في ليبيا هذه الأيام و المرشح لكي يستمر لسنوات مقبلات، فان أوروبا لن تكون فقط أمام الملايين من المهاجرين من الجزائر و المغرب و موريطانيا، و لكن أيضا أمام ملايين مضاعفة من المهاجرين من افريقيا جنوب الصحراء..

لن يكون حينها للمغرب وقت لكي يسأل هؤلاء المهاجرين الى أين هم ذاهبون، و لا الامكانيات اللازمة لكي يراقبهم، وقبل أن تقول فرنسا و اسبانيا هذه الحقائق لجيرانهما، من الأفضل أن تكون أمريكا.. هي أول من يعلم..

 

شادي عبد الحميد الحجوجي