بورتريه

نديرة الكرماعي: الأخصائية النفسية تداوي جراح الفقر

سعيد نافع الاثنين 23 مايو 2016
نديرة الكرماعي: الأخصائية النفسية تداوي جراح الفقر
nadira

 AHDATH.INFO - خاص - بقلم سعيد نافع

المسار العلمي والأكاديمي والمهني لشخصية كنديرة الكرماعي لا يمكن إلا أن يشكل مصدر افتخار للمغاربة. شغوفة بالأدب، تخصصت في علم النفس الإكلينيكي الخاص بالعمل. اشتغلت كمهندسة وكانت أول من قادت تجربة التكوين المستمر في الوظيفة العمومية، في فترة خدمتها في وزارة التجهيز.

اليوم تشرف نديرة الكرماعي على ورش المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بفلسفة خاصة جدا تتمحور على تشجيع الموهبة لمحاربة الفقر والهشاشة. مسار نديرة الكرماعي يكشف عن روح غير مستكينة، بل مثابرة ومؤمنة بالثقافة والعطاء والموهبة والشفافية، وهو ما يؤكده مسارها الطويل في مدرسة الوزارات ‘‘ وزارة التجهيز ‘‘ التي بصمتها بطابع التكوين العلمي والأكاديمي الحديث كما سنرى فيما بعد، من خلال إدخال مبدأ التكوين حسب مفهوم ‘‘ المجزوءة ‘‘ للموظفين السامين والعاديين.

نديرة الكرماعي المزدادة العام 1958 حصلت على شهادة الباكالوريا في العام 1976 بميزة حسن في تخصص الأداب العصرية. ثم اختارت في دراساتها العليا الشعبة التي كانت تهواها بشغف: علم النفس. وكان لا بد من اختيار بلد علماء النفس، سويسرا، وتحديدا جامعة العلوم الاجتماعية والاقتصادية بنيوشاتل، حيث تعمقت نديرة في دراساتها طويلا، قبل أن تحصل من نفس الجامعة على دبلوم الإجازة في علم النفس الإكلينيكي و علم النفس الخاص بالعمل.

يعرف عن نديرة أنها ‘‘ تبتغي الاتقان ‘‘ بدرجة كبيرة في كل ما تقوم به، وعليه فقد اعتمدت على دبلوميها من أجل تعميق الدراسة إلى غاية الحصول على شهادة الماستر في نفس التخصص. في الطريق إلى هذا الإنجاز الأكاديمي المرموق، تحصلت نديرة الكرماعي على دبلومين آخرين في البرمجة العصبية اللغوية والتدريب النفسي. وهو ما أهلها للحصول على منصب أستاذ – مساعد بجامعة نيوشاتل السويسرية كترجمة لتفوقها ولمعانها، وهو المنصب الذي جعلها أيضا تؤجل طلب وزارة التجهيز المغربية التي كان يقودها آنذاك محمد القباج، في الالتحاق بها ستة أشهر كاملة، لغاية انتهاء العقد الذي كان يربطها بالجامعة السويسرية.

عادت نديرة الكرماعي للمغرب سنة 1987، والتحقت مباشرة بوزارة التجهيز كمسؤولة عن قسم التكوين المستمر. وكان ذلك بمثابة الخطوة الأولى لمسؤولة مغربية ستحدث ثورة في تاريخ الوظيفة العمومية بالمغرب. فقد كانت نديرة أول من أدخل مفهوم ‘‘ المجزوءة ‘‘ في التكوين الذي خلخل مفاهيم الترهل الوظيفي بالمغرب والوزارة خصوصا. وهو ما دفع بوزارات أخرى لتبني نفس النهج في تكوين أطرها، وإعطاء دفق جديد لمفهوم الخدمة والاشتغال في المكاتب. الأمر يتعلق بدورات تكوينية للمدراء الجهويين أو الإقليميين، حيث كان عليهم الالتحاق بقاعات الدرس ضمن هذه ‘‘ المجزوءات ‘‘ التي وصل عددها إلى 40 قسمت على أشهر عدة. الهدف كان مد هؤلاء الموظفين، مهندسون في غالبيتهم، بوسائل وآليات اشتغال جديدة من خلال وضع استراتيجيات ونظم تدبير جديدة. الدورة الثانية من هذا التكوين أطلقته نديرة الكرماعي العام 1991 واختصت به رؤساء الأقسام، من أجل تحويلهم إلى مستشارين في التدبير.

تجربتها المميزة والطويلة في ووزارة التجهيز جعلت شهرتها تسبق اسمها، وفي الوقت الذي كانت فيه نديرة تعد العدة لفتح مكتبها الخاص بعد نهاية خدمتها في الوزارة العام 2005، تغيرت وجهتها تماما نحو ميدان آخر، وقد كان السبب الأول لهذا التحول لقاءها بشكيب بن موسى، الذي اقترح عليها مزج ثمرات تجربتها المهنية ومعارفها العلمية والأكاديمية في بوثقة واحدة من أجل وضعها تحت رهن ورش كبير ومهم للمواطن المغربي قد كان شرع المغرب للتو في وضع خطوطه العريضة: المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

في 2009 عينت نديرة الكرماعي من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس منسقة وطنية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وهو المنصب الذي ما زالت تشرف عليه إلى اليوم. فلسفتها فيه واضحة للغاية إذ تقول نديرة الكرماعي ‘‘ إذا كانن الهدف من المبادرة هو تقليص الفقر على المدى المتوسط والبعيد فإن كل البرامج التي توضع لتحقيق هذه الغاية يجب أن تعترف بالموهبة وأن تكرس كل شيء لخدمتها، وهي الضمانة الوحيدة لإعطاء القيمة المضافة المنشودة التي من شأنها تحقيق الرفاهية والكرامة الإنسانية ‘‘.

نديرة الكرماعي اختيرت شخصية سنة 2013 في صنف العمل الاجتماعي في الإستطلاع الذي كانت قد أجرته وكالة المغرب العربي للأنباء بالنظر  الى مختلف إنجازات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي مكنت من اختيارها شخصية السنة في مجال العمل الإجتماعي، مشيرة إلى أن هذا الاختيار يمثل اعترافا بالجهود التي يبذلها "كل الذين يعملون من أجل تجسيد هذا الورش الملكي" وأضافت أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تمكنت من إرساء أسلوب جديد للحكامة يرتكز أساسا على المشاركة والثقة واحترام الكرامة والاستمرارية، تعتمد مقاربتين متوازيتين: الأولى تهدف إلى دعم الولوج إلى الخدمات والتجهيزات الأساسية، فيما الثانية تروم تعزيز قدرة المرأة والرجل على خلق أنشطة تلائم خبراتهما وتوائم خصوصيات منطقتهما.

كمشرفة على هذا الورش الوطني الكبير، قدمت نديرة الكرماعي قبل أيام حصيلة 11 سنة من عمل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وأكدت في مداخلتها خلال أشغال الورشة الدولية حول السياسات العمومية ومحاربة الفقر والإقصاء، بأن المبادرة تهدف إلى محاربة الهشاشة والفقر والإقصاء الاجتماعي والعزلة، وترتكز على العديد من المبادئ، من بينها الكرامة والثقة والمشاركة والقرب والتشاور والشراكة والتعاقد والشفافية. وأوضحت الكرماعي، أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تشكل نموذجا للتنمية المندمجة بفضل استهداف أمثل للفئات والمجال الترابي وحكامة تشاركية ومقاربة تشاركية وتمويلات مهمة. وأشارت إلى أن حساب التمويل عبأ 10 ملايير درهم خلال المرحلة الأولى للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2005-2010) و17 مليار درهم خلال المرحلة الثانية 2011- 2015. الكرماعي أضافت بأن 128 ألف شخص استفادوا من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عبر الأنشطة المدرة للدخل و257 ألف امرأة في وضعية هشاشة و145 ألف شخص في وضعية إعاقة و37 ألف شخص مسن، و45 ألف امرأة، إضافة إلى 135 ألف شخص تمكنوا من الولوج إلى 600 مركز للصحة، وخلصت إلى أن المحاور التي تحتاج إلى تحسين من لدن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تشمل دينامية ومهنية الجمعيات والتعاونيات، وتنمية الأنشطة المدرة للدخل، واستدامة المشاريع، وتحسين تواصل القرب والتركيز على الأقاليم والفئات المستهدفة.