ثقافة وفن

هدى بنيامينا: العدسة الذهبية

سعيد نافع الأربعاء 25 مايو 2016
هدى بنيامينا: العدسة الذهبية
houda

  AHDATH.INFO - خاص - بقلم سعيد نافع

قليل من المغاربة من كان يسمع عن اسم هدى بنيامينا. حتى عتاة النقاد المغاربة ومن والاهم في الاهتمام بالسينما الفرنسية لا يعرفون الكثير عن هذا الاسم، الذي طالعنا فجأة في حفل توزيع جوائز مهرجان كان ال69 لهذه السنة . بإشراقة جميلة وابتسامة واسعة وعينين تحملان من القسمات المغربية، اعتلت هدى بنيامينا منصة التتويج، قبل أن تطلق زغرودة أطلسية جميلة هزت قصر المؤتمرات بكان الفرنسية، إهداء للوالدة المغربية القحة، التي تقاسمت معها لحظة النصر.

التتويج بالكاميرا الذهبية لكان، إنجاز سينمائي كبير، يعترف للشابة هدى بالكثير من التميز، وهي جائزة تتقاسمها مع عرب وايرانيين قلائل، ومع دهاقنة السينما العالمية الذين توجوا بها على مر تاريخ مهرجان كان، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، الايطاليين الخالدين لوتشينو فيسكونتي وايتوري سكولا و داميانو دامياني وبرناردو برتولوتشي. تدخل إذن هدى بنيامينا معبد السينما الكبيرة من بابه الأكبر، وتهدينا نحن هنا في الضفة البعيدة للمتوسط، من عشاق السينما وأبناء جلدتها، تتويجا نتقاسمه معها، يجعلنا نطبع مع السينما ونؤمن أن أبناء البلد أينما تواجدوا، قادرون على مصالحتنا مع الفن الأرقي تعبيريا في هذا العالم.

بالنسبة للعارفين بخبايا السينما الفرنسية والعالمية، لم يكن مفاجئا على الإطلاق حصول المخرجة الفرنسية الجنسية- المغربية الأصل والهوى،  هدى بنيامينا على جائزة الكاميرا الذهبية التي تكافئ العمل الأول للمخرجة، عن شريطها «إلاهيات» الذي شارك في تظاهرة «اسبوعي المخرجين» التي شهدت عرض 24 عملا، وبعد أن واكبتها الصحافة الفرنسية منذ ما قبل المهرجان وبعده بكثير من المقالات والاعجاب، والأطراء النقدي المتصل. ‘‘ لقد احتلينا كان، زغردي ايتها الوالدة ‘‘ هكذا وبهذا التعبير العفوي البسيط والعميق والحميمي، هتفت هدى بنيامينا من على المسرح الذي اعتلته هي وممثلاتها في شريط ‘‘ ديفين ‘‘، بعد إعلان فوزها بجائزة من بين الأجمل والأكثر عرفانا بالحس والموهبة والجمال في مهرجان كان، في وقت تسابق عليها أكثر من عشرين فيلما و شريطا آخرا في مختلف التظاهرات.

وألقت هدى بنيامينا خطابا مطولا لم يكن يتسع له الموقف، ودعت إلى مزيد من النساء المخرجات في مهرجان كان وفي إدارته، بينما أبدى البعض انزعاجه من استيلائها على الميكروفون وعدم تركه رغم ضيق الوقت. سينما هدى بنيامينا تحمل نبضا جديدا للسينما الفرنسية وقد اعتبرته الصحافة «لكمة» تصور بؤس الضواحي ومشاكلها على نحو بوليسي وعبر شخصيات نسائية شابة، تحلم بالمال والشهرة، وتدخل لأجل ذلك في مجالات كانت حكرا على الرجال. وكما على المسرح، في الفيلم، حملت هدى بنيامينا معها لغتها، لغة الشارع الذي صورت شبابه في سينما واقعية محتجة وعبر ممثلين غير محترفين في معظمهم.

 فيلم «إلاهيات» أو ‘‘ ديفين ‘‘ بفرنسية موليير،  يشكو من عيوب في السيناريو أكيد كما أكدته هدى بنفسها وسار معها في نفس الطرح العارفون بالسينما والسيناريو، لكنه يصور الضاحية بشكل جديد، نسوي، ظالم وعنيف . وهي قوة الفيلم ومداخله المتعدة، للاستيلاء على إعجاب الحاضرين . كاميرا حساسة جدا، نجحت في الجمع بين تفاصيل ‘‘ الحكرة ‘‘ اليومية على نساء الضواحي الباريسية، المجتاحة في السنوات الأخيرة بالفكر المتطرف القادم من وراء البحار، والذي يفرض تصورا معينا على علاقة المرأة بالرجال وعلاقتها بالمجتمع، مع قبض لحظي رائع للأحاسيس الإنسانية المفعمة بالحب والمساواة والطيبة والانكسار والفرح والدموع والابتسامات. سينما من نوع آخر، وبرؤية نسائية تحمل الكثير من بهارات الثقافة المغربية، والفرنسية، نجحت في توصيل رسالة ‘‘ لاللحكرة ‘‘ و ‘‘ نعم للحياة ‘‘ في فرنسا القرن الواحد والعشرين.

فازت إذن المخرجة المغربية الفرنسية هدى بنيامين بجائزة الكاميرا الذهبية لمهرجان “كان” السينمائي عن فيلمها الذي لاقى إعجابا كبيرا من طرف متتبعي فعاليات المهرجان وكذا وسائل الإعلام الفرنسية والدولية، وهو فيلم يمزج بين الضحك والتراجيديا، ويرصد حياة بطلة الفيلم التى تعيش فى أحد الأحياء الفرنسية التى يسكنها مسلمون متشددون، وهو من بطولة أولايا عمامرة وماجدولين الإدريسى.

واعتبرت مجلة “ليزانروك” الأسبوعية الفرنسية في عددها الأخير فيلم هدى بنيامين أهم فيلم فرنسي لهذه السنة، حيث نشرت مقالا بعنوان “أوقفوا مهرجان كان: إلهيات هو أهم فيلم فرنسي لسنة 2016″، وذلك بالنظر لمضمونه القوي، براعة آداء ممثلاته، وتماسك بنية إخراجه . وتُمنح جائزة “الكاميرا الذهبية” لأحس فيلم يخرجه شاب في أول تجربة له في أي نسخة من مسابقات مهرجان كان السينمائي.

هدى بنيامينا المزدادة سنة 1981 بمنطقة فيري شاتيون الفرنسية، ممثلة وكاتبة سيناريو ومخرجة فرنسية مغربية. اتخذت طريقها في الفن والأدب والمسرح بعد أن أعلنت عشقها الفني، وبعد أن كانت قد بدأت حياتها المهنية بالحصول على دبلوم عادي في حرفة الحلاقة النسائية. بعد الحصول على الباكالوريا التحقت هدى بنيامينا بالمدرسة الجهوي لمهن التمثيل في مدينة كان الفرنسية، ثم تابعت دراساتها العليا بالمسرح الأنطولوجي و‘‘ الأكتور ستوديو ‘‘ بمينسك عاصمة روسيا البيضاء. تجربتها السينمائية تحفل بالعديد من الأعمال منها تسعة أشرطة سينمائية قصيرة، توجت في العديد من المهرجانات وعرضت على مختلف شاشات قنوات التلفزيون الفرنسي الأكثر مشاهدة كتي في 5 وآرتي وفرانس 2 وفرانس 3 و ام6.

سنة 2011 توجت هدى بنيامينا في مهرجان المتوسط للفيلم القصير بطنجة والمهرجان الدولي للفيلم بدبي والمهرجان الدولي للفيلم القصير كليمون فيران، عن فيلمها ‘‘ في الطريق إلى الجنة ‘‘ الذي أخرجته وكتبت سيناريوه بالمناصفة مع شريكها الدائم في الكتابة رومان كومبنكت. كما شاركت بنفس الشريك في مهرجان السينما الافريقية في مدينة ميلانو الإيطالية ، قبل أن يتم اختياره في اللائحة الأولية لأفلام مهرجان سيزار الفرنسي العام 2013.

هدى بنيامينا هي أيضا مناضلة من أجل الثقافة في الضواحي الفرنسية، حيث شاركت قبل سنتين في ولادة جمعية ‘‘ ألف وجه ‘‘ التي تستهدف نشر الثقافة على نطاق واسع في الأحياء الباريسية والفرنسية المهمشة، وتستهدف أيضا تمازج الثقافات التي تحفل بها هذه المواقع الاجتماعية، ذات الكثافة السكانية الكبيرة والمنحدرة من أصول وثقافات مختلفة.