بورتريه

وليد الركراكي: ‘‘ قالها ... وقد بيها ‘‘

سعيد نافع الأربعاء 01 يونيو 2016
وليد الركراكي: ‘‘ قالها ... وقد بيها ‘‘
walid

AHDATH.INFO - خاص - بقلم سعيد نافع

لا أحد كان يراهن على وليد الركراكي في قيادة الفتح إلى مشوار متميز سينتهي بتتويج هو الأول من نوعه في تاريخ الفريق الرباطي العريق. بروفايل الركراكي كلاعب محترف في فرنسا من الدرجة العادية، يصبح مدربا لنادي مغربي، مكرور وغير جدير بالثقة في الظفر بأي شيء. هكذا قالت التجارب السابقة في كرة المغرب، وهكذا تصور كل متتبعي كرة القدم عند استلام وليد للعارضة التقنية للفتح الرباطي قبل سنتين.

وليد يضع الآن الجميع أمام مسؤولياتهم، المشككين قبل المتحمسين، ويضع على مسؤولي الأندية المغربية سؤالا عريضا : منذ متى آمنتم بالجدية والاستمرارية لتحقيق أهداف فرقكم في تطوير الأداء، الفرجة ، والانتصار أخيرا ؟

حقيقة أن وليد في مشواره كمدرب مع الفتح الرباطي استفاد من هياكل ومؤسسات فريق يقترب كثيرا من المعني الحقيقي للاحتراف الرياضي، وصحيح أنه اشتغل في فريق لا يعاني من هوس الجماهير اليومي، الذي يشكل عبئا إضافيا على لاعبي وتقنيي الفرق الأخرى، لكن بصمته الذاتية، المعكوسة عن كاريزمته الخاصة، شكلت النسبة الأكبر في نجاح هذه التجربة. وليد العارف بخبايا كرة القدم المغربية، والأكيد أنه عاين كل فرقها واكتشف نقاط ضعفها وقوتها، نجح في وضع خارطة طريق للعمل، أوصلت النادي الرباطي اليوم، إلى قمة الدوري المغربي، وهيأت كل الظروف الممكنة لتوهج قاري، يصعب أن يضيع من بين ‘‘ وليدات الركراكي ‘‘ باستثناء حادث قهري قد ينتصب في الطريق. الركراكي ليس فقط مدرب، الركراكي صديق للاعبين، وهي ميزة أخرى أكستبه ثقة لاعبيه، وحين تحضر الثقة بين اللاعب ومدربه، تلك هي أول معالم النجاح.

عقل وليد الركراكي هو نقطة قوته الأولى، ونقطة تميز الفتح هذا الموسم تحديدا . إعمال العقل الاحترافي في منظومة الفتح الرباطي، طبعا في حدود الإمكانيات الممكنة، مهد لاكتساح الفرق المنافسة والسيطرة على دوري اتصالات المغرب لهذه السنة . فإذا كانت أغلب فرق الدوري المغربي تعتمد على ثنائية ‘‘ اللاعب النجم ‘‘ و‘‘ تحصين الدفاع ‘‘ كأساس أولي لخوض المنافسة، قلب وليد هذه المعطيات، مؤمنا بأن الانتصار هو عمل جماعي يشارك فيه الجميع، وأن الدفاع على الرغم من أهميتة التي لا تناقش ليس سوى حلقة في سلسلة متواصلة من البنيات داخل الفريق، لا تقل عن الوسط والهجوم . الفكر العقلاني ينتهي بإقناع الجميع بأحقيته، لذلك لا نسمع في الفتح الرباطي تذمرا من جلوس لاعب في كرسي الاحتياط، ولا زوبعة تتهم المدرب بتفضيل هذه على ذاك . باتنا، مهاجم الفريق الأول، لم يكن نجما في مذكرة الركراكي، كان نجما في صفحات الجرائد وعناوينها، والدليل أن الفريق حافظ على اتزانه ونتائجه المميزة في فترات غيابه المتكررة.

ولد الركراكي العام 1976 بمدينة كوربي إيسون الفرنسية، تنحدر أصوله المغربية من شمال المملكة بانتمائه إلى الفنيدق، وهو أب لطفلين من أم جزائرية، عن سن الأربعين. مارس وليد الركراكي كرة القدم في شكلها الاحترافي في سن متأخرة نسبيا عن المتعارف عليه، إذ استهل مشواره الكروي في بداية عقده الثاني (22 سنة)، كما ولج عالم المستديرة دون الخضوع لتكوين أساسي في مدارس التكوين المعروفة في فرنسا. يعود الفضل في اكتشاف قدرات ومواهب وليد الكروية للمدرب الفرنسي الشهير رودي غارسيا، حيث كان أول من أعطاه الثقة بحمل قميص مسقط رأسه، نادي كوربي إيسون في أول محطة له.

انتقل وليد في ثاني تجاربه الاحترافية إلى فريق راسينغ دوباري ، قبل أن ينتقل إلى تولوز الفرنسي حيث ذاع صيته كلاعب بمواهب محترمة كلاعب متميز وأنيق وإن كان يلعب في الدفاع. هنا بدأت أولى بوادر الاهتمام الوطني بوليد الركراكي من خلال الاعلام الذي أشار إليه أول مرة. نجاح الركراكي في المحطتين، جعلته ينتقل للعب في الدوري الإسباني ‘‘لا ليغا‘‘ مدافعا عن ألوان نادي سانطاندير. خلال هذه الفترة تمت المناداة عليه للالتحاق بصفوف المنتخب الوطني بدعوة من الناخب بادو الزاكي الذي كان مشرفا على تدريب الأسود . بسرعة أكد وليد أحقيته في حمله للقميص الوطني سنة 2004، إذ اختير في أول مشاركة له في نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم بتونس كأحسن ظهير أيمن في البطولة، وحل رفقة المنتخب وصيفا لنسور قرطاج، ليصبح واحد من أحب اللاعبين عند الجماهير المغربية . أنهى وليد الركراكي مشواره في الدوري الفرنسي رفقة فلوري ميروجي، ليلتحق بـ"أسود الأطلس" موسم 2012، ليس كلاعب هذه المرة، بل كمساعد للناخب الوطني رشيد الطاوسي، الذي ساعده في مهامه التدريبية لسنة كاملة، قبل أن يظهر على شاشة "بي إن سبورت" كمحلل رياضي لفترة وجيزة . قبل موسمين أصبح وليد مدربا لنادي الفتح الرباطي، وبحنكة وجدارة واستحقاق قاده للفوز بكأسين العرش على التوالي ( 2014 – 2015 )، فيما لا تفصله عن ثالث تتويج مع الفريق، والأول في تاريخه، كبطل للدروي المغربي سوى أيام معدودات.

وليد هو أيضا ‘‘ فم كبير ‘‘ كما يقول الفرنسيون. ولعل السبب هو آلية ‘‘ الترانسفير ‘‘ اللغوية التي تحدث بين لغة وأخرى. وليد المزداد بفرنسا والمتكلم بلغتها كما يفعل الفرنسيون، يسقط أحيانا في أعين المتتبعين الذين يحاولون ترجمة ألفاظه حرفيا ونقلها من سياقها الفرنسي للعربية . مثلا كان الركراكي قد قال في حديث سابق بعد انتصاره على الوداد البيضاوي منافسه الأول في الدروي المغربي  ‘‘ غايتنا ليست هي الفوز بدرع الدوري، لو بلغنا الجولة الأخيرة ونحن بالسباق هدفنا سيكون أن نطرد النوم من عيون أنصار الوداد، سأكون سعيدًا وحققت هدفي وقتها ‘‘. ولم يكتف الركراكي بهذه التصريحات، بل أنه قارن نفسه مع مدرب الوداد، وقال ‘‘ لا توجد مقارنة بين سائق السيارات شوماخر وسائق عادي، وبين سيارة فيراري وسيارة من النوع المتوسط، الوداد هي سيارة فيراري وتوشاك درب ريال مدريد، وهما المعنيان بأمر اللقب ‘‘ . وليد وبكثير من السخرية قال أيضا عن مباراة فريقه أمام الوداد، وهاجم مدربه: "أتحدى الوداد وتوشاك أن يتنقلوا للعب معنا دون أن يبنوا جدرًا دفاعيًا من 5 مدافعين ولو فعلوا هذا سيخسرون ولا شك" . غريم الوداد، الرجاء البيضاوي، لم يسلم بدوره من لسان  الركراكي حينما هزمه بمسابقة الدوري، وأقصاه من مسابقة كأس العرش، وقال: "لقد انتصرنا على الرجاء لأننا قبلها فزنا على الوداد، ولا أريد أن أعادل الكفة بينهم فلا يغضب بعضهما من بعض لكونهما خسرا سويا من الفتح".