الكتاب

انطباعات من تجربة الإفطار العلني في رمضان (1/2)

طه بلحاج الخميس 09 يونيو 2016
DAFKIR DESSIN
DAFKIR DESSIN

AHDATH.INFO- بقلم يونس دافقير

أصوم بتلذذ وحب. وحتى إن كنت من النوع الذي يدخن في باقي أيام السنة كقطار يمشي بالفحم الحجري، لا أجد حرجا في أن يتناول المفطرون طعامهم أمامي ، أو يشعلوا سيجارتهم التي أكتشف، في رمضان فقط، أنها تخنق أنفاس غير المدخنين.

ولي ثلاث أسباب في هذا التعايش . وأنا لا أحب في هذا المقام لفظة «التسامح»، إنها تحمل معنى استبداديا عدوانيا، وهي تفيد أن الآخر على خطأ ونحن المعانقون للصواب، لكننا نترفع عن محاسبته، وهذا من انزلاقات اللغة التي تعايشنا معها حتى صارت من الخطأ الذي تحول إلى صواب شائع.

وأعود لأسباب تعايشي مع المفطرين في رمضان، السبب الأول بيولوجي، فهذا العبد لله ليس من النوع الأكول الذي تستفزه روائح الطعام، ولا أعرف أي قوة سحرية تلك تجعلني أتحمل نقص النيكوتين في عروقي، دون أن أشعر بأي ردة فعل تجاه من يدخن قرب «مناخيري».

وفي ثاني أسبابي هناك بعد إيماني، أنا أصوم لأني أجد في هذا الطقس الديني عبادة روحية وليس إضرابا إجباريا عن الطعام، وسيلاحظ أصدقائي في مواقع التوصل الاجتماعي أني لا أتقاسم معهم تلك التعليقات التي تتساءل عن كم تبقى من الساعات لنسمع آذان المغرب، أو هل بدأ العد العكسي لعيد الفطر. فأنا أصوم لأني أحب أن أصوم، ولأني أجد في ذلك تعبيرا عن حب متبادل بيني وبين الرب الذي خلقني.

لكن السب الثالث هو الأعمق في تعايشي مع المفطرين، هو موقف فلسفي وحقوقي، ومعناه أنه في روح الإسلام وصحيحه تنصيص على حرية المعتقد، وفي مرجعيتي العلمانية أدافع عن هذه القيمة التي تضمنها الحقوق الكونية للإنسان، إنه الأصل الذي تتفرع عنه حقوق متشعبة ومنها الحق في إفطار رمضان من عدمه. وكما لي الحق في أن أفطر، من واجبي أيضا أن أحترم حق الآخر في الصيام.

ولم يكن ممكنا أن أصل إلي هذه القناعات لولا تجربتي الشخصية في اللاتدين، أو ما يسميه بعض الإسلاميين بحمولة قدحية وتكفيرية «الإلحاد». وليس ذلك اعتباطيا، فمن هذا المفهوم إلى ذلك يتغير الكثير من الفهم وسوء الفهم، وتتتباين الأحكام الدينية في التشدد والتطرف.

لكن، لنترك جدل المفاهيم جانبا. وأظن أن هناك سببا وجيها يجعل دعاة الإفطار العلني في رمضان يكثفون من خرجاتهم التي يراها الإسلاميون استفزازا لإيمانهم، ويراها حماة الحرية الفردية مقاومة لفعل سلطوي رجعي يستهدف حقوق الفرد.

صار المجتمع أكثر تشددا تجاه ممارسة الحريات، لقد فرض الإسلاميون في السنوات الأخيرة وجدانا عاما في الفضاء العمومي والرمزي، صار يرى في الحرية الفردية تهديدا للدين، ومنذ أن بدأت الآلة الدوغمائية للدين السياسي في تجييش المشاعر، دأب المغاربة على نبذ الآخر المنتمي إلى الأقلية الدينية أو الجنسية وحتى العرقية.

وكان على دعاة الحرية الفردية أن يمارسوا حقهم في الدفاع عن مبادئهم ونمط عيشهم، وبعدما كانوا يمارسون سلوكا فرديا، بدؤوا في التكتل والتعبير عن مطالب جماعية، ولو بقوا مجرد أفراد لأبادهم المجتمع المحافظ. ومن دون شك . كانت سنة 2007 هي عتبة المنطلق، يومها أطلق حوالي مائة مثقف وناشط نداء من أجل الحريات الفردية، و بعدها جاءت «تنظـيمات حركية» كما في اللغة الجهادية للإسلاميين.

لم تكن حركة «مالي» سوى التعبير الأكثر راديكالية عن هذا النزوع نحو التكتل والمقاومة الجماعية، لكنها كانت قوقعة فارغة: قضيبة من دون عمق فلسفي، بحث عن الظهور أكثر منه قناعة نضالية، ومن كاريكاتيرية المشهد أن صار أصحابها من ذوي «الإعتقال السياسي»، فقط لأنهم قضوا بضع ساعات في «الكومميسارية» بفعل غباءين متقاطعين: واحد أصولي وآخر مخزني.

وكان الإفطار العلني فيما أذكر، من تجربتي الخاصة بداية سنوات التسعينات سلوكا فرديا، وكان المجتمع وحتى بعض الإسلام السياسي متسامحا بلغتنه ومتعايشا وفق صحيح التعبير.

لم تبدأ تجربتي مع صيام رمضان إلا سنة 2004، ولذلك فأنا حديث العهد بالإسلام. وتجربتي مع الطقوس الدينية والعبادات بالكاد تبلغ سنتها الثانية عشرة. تلك حكاية نكملها غذا إن شاء الله.