آراء وأعمدة

ا لخـــطـــــــــــأ

أسامة خيي الاثنين 08 سبتمبر 2014
no image

بقلم: محمد البريني

وجب قولها بصراحة، وبدون تردد. لقد أخطأت سلطات ابن سليمان عندما منعت نشاطا كانت منظمة العفو الدولية ـ فرع المغرب، تعتزم إقامته في مركب مولاي رشيد ببوزنيقة. أخطأت على ثلاث مستويات:

أولها عندما منعت نشاطا حقوقيا، تنظمه وتشرف عليه منظمة حقوقية دولية، لها تاريخ طويل في الدفاع عن حقوق الإنسان، خاصة وأن هذه المنظمة لها فرع في بلادنا، تعترف به السلطات، وتسمح له بالعمل، وسبق له أن نظم نشاطا مماثلا طيلة 16 سنة الماضية؛ المنع سلوك سلبي بغض النظر عن رأينا أو مواقفنا من تقارير تلك المنظمة المتعلقة ببلادنا.

ثانيها، لما تذرعت بعدم قيام المنظمين بالإجراءات الإدارية المناسبة، وأكدت أنهم لم «يقوموا بإيداع تصريح قانوني لدى السلطات المعنية». في حين تقول المنظمة إنها قامت بالمساعي الضرورية، طبقا للقوانين المغربية، فبعثت بفاكس يوم 3 يوليوز إلى وزارة الشبيبة والرياضة، تطلب فيه السماح لها باستعمال مركب بوزنيقة، ثم أرسلت فاكسا آخر إلى سلطات بوزنيقة يوم 28 غشت لتخبرها بالكيفية التي سيمر بها النشاط الحقوقي. وتضيف المنظمة أنها تتوفر على وصل يثبت إرسال الوثيقتين.

ثالثها، زجت تلك السلطات بالبلاد في وضعية حرجة، وفي موقف دفاع وتبرير. فقد تبدو سلطات ابن سليمان وكأنها تكذب، إذ من الذي سيصدق كلامها ويكذب كلام منظمة حقوقية ذات الصيت والنفوذ العالميين. لقد وضع المسؤولون عن هذا الإجراء كلام إدارة مغربية موضع شك، وهذا أمر غير مسموح لهم ارتكابه، فهم مؤتمنون على سمعتها ومصداقيتها. ثم إن تصرفهم قد يضفي المصداقية على كل التأويلات التي تقدمها منظمة العفو، ومن هذه التأويلات أن المنع ناتج عن انزعاج الحكومة المغربية من الحملة التي تقوم بها «أمنستي» ضد التعذيب وضد المعاملة السيئة. هل أصبحت الحكومة المغربية تنزعج فعلا من حملات ومواقف مناهضة التعذيب؟ إذا كان الأمر كذلك، يحق لنا أن نقلق، ونتخوف من حدوث تراجع في الحريات وحقوق الإنسان.

سلوك سلطات ابن سليمان يدعو إلى الاستغراب أكثر عندما نعلم أن نوعية النشاط الذي كان مزمعا إقامته لا يشكل أي تهديد للأمن والاستقرار. إنه عبارة عن ورش تربوي يجمع شبابا قادما من عدة بلدان أجنبية، تسهر عليه منظمة مسؤولة، وكان سيشكل مناسبة جديدة لكي تبعث بلادنا، عبر الشباب الحاضر، صورة إيجابية عنها.

الدرس الواجب استخلاصه من هذه الواقعة، ومن وقائع أخرى مماثلة سبقتها، هو التعجيل بإقرار قانون جديد يوسع مجال حرية التجمع والتظاهر السلميين، ويضمن حق ممارستهما بدون قيود، ويجعل منعهما استثناء وليس قاعدة، وذلك بتحديد دقيق للحالات التي تستوجب المنع، كتحول تظاهرة من التظاهرات إلى أعمال عنف، تهدد الأمن والممتلكات. غير مسموح لبلادنا، بعد إقرار دستور 2011، وانسجاما مع فلسفة ورؤيا العهد الجديد، أن تظل محكومة بقوانين تعود للسنوات الخالية. في انتظار ذلك، تستطيع الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها، فترعى ممارسة الحريات، وتحد من الشطط الذي تمارسه بعض الأجهزة الإدارية والأمنية.