كلمة الأحداث المغربية

اسمي إلهام.. وزوجي رحل إلى سوريا !

طه بلحاج الأربعاء 22 يونيو 2016
ILHAM CHABO 1
ILHAM CHABO 1

AHDATH.INFO - بقلم محمد أبويهدة

جاءت إلى مقر الجريدة محملة بدموع وهموم كثيرة: زوج لا تعرف مصيره، أبناء تائهون وحياة حاولت خلالها مقاومة التطرف داخل بيتها.

حكاية إلهام هي مزيج من الألم والعذاب، منذ زواجها سنة 1998، ظلت تحاول جاهدة أن تكون رفيقة مثالية لزوج لم يكن مهتما كثيرا ببيته، لكنها استطاعت أن تحافظ عليه طوال سنوات تأرجحت بين لحظات مؤلمة وأخرى مرت فيها السعادة كلمح البصر.

قطار حياتهما الزوجية انطلق من الناضور واستأنف مسيرته، يتوقف تارة ثم ينطلق بسرعة يختلف إيقاعها إلى أن بلغ محطة الدارالبيضاء، وخلال هذه الرحلة تضاعف عدد ركابه بعد أن أثمر زواجهما أربعة أطفال: إلياس (16 سنة)، أميمة (14 سنة)، منير (9 سنوات) وأمينة (سنة ونصف).

في 2011 كانت أولى نقط التحول ترسم مسارا جديدا للزوج الذي سقط في حبال أحد الملتحين فتغير سلوكه وأصبح أكثر عنفا وحقدا حتى على زوجته التي بدأ يتهمها بالكفر والفجور، لأنها رفضت اثنتين من رغباته التي أصبح يعتبرها من صميم الدين: ارتداء النقاب ثم التعدد الزوجي.

حاولت الزوجة تدبير رغبات الرجل بكثير من الديبلوماسية لكن مقابل ذلك بدأ الزوج يختلق العديد من المشاكل التي كانت تنتهي دائما بضرب زوجته أمام أبنائها.

بعد رحيل الأسرة إلى البيضاء تحسنت أحوالها المادية رغم ديون الأب وقروضه التي أنشأ بها تجارته بحي الألفة، وإلهام نفسها تعترف أن الزوج لم يكن مقصرا من هذه الناحية، لكنه مقابل ذلك أوغل في التطرف، رغم أنه لم يكن يجد من يستشير في عدة أمور سواه،ا فكانت تلهمه بتعاليم الدين السمحة، غير أنه في النهاية ظل مرتبطا أكثر بجماعة الأصدقاء الذين كانوا يبثون فيه تطرفهم.

أصبح الأطفال يعيشون رعبا داخل البيت يضطهد الابن تارة بسبب تسريحة شعره، ويفرض على البنت لبسا فضفاضا أسود، ويخيف الابن الأصغر بأشرطة عن القتال في سوريا مليئة بدم ومواجع ورؤوس مقطوعة جعلت النوم يهجر جفني الطفل ورمت به على مشارف الاضطراب النفسي.

زادت أزمات الأم النفسية بعد حملها الأخير بسبب جلسات العذاب التي تذوق مرارها كل يوم، فاضطرت إلى عيادة طبيبة نفسية للتخفيف من آلامها والبحث عن أجوبة للأسئلة المؤرقة الكثيرة التي تفتك بها، خاصة عندما يقتسم معها أطفالها لحظات العذاب النفسي الذي تعيشه، فتتساءل ما ذنبهم كي تهوي بهم الحياة إلى هذا الحضيض؟ لماذا لم يكتب لهم العيش كباقي الأطفال حياة عادية؟ المشاكل داخل البيت وتشدد الأب أثرت كثيرا على دراستهم فتراجعوا جميعا عن المستوى الذي كانوا عليه قبل سنوات، بل رمت بالابن الأكبرإلى أحضان المخدرات بعدما افتقد حضن الأب الدافئ، أو كما كان يقول باستمرار «أنا أنتقم من والدي».

تزوج الأب مرتين الأولى بفتاة لم تمتد عشرتهما كثيرا، والثانية كانت زيجة بالفاتحة كما هو الأمر لدى العديد من السلفيين والمتطرفين الذين لا يعترفون بالوثائق الرسمية الصادرة عن الإدارات العمومية. زيجتان لم تجد إلهام بدا من الخضوع فيهما لرغبات الأب الذي أصبح بعيدا عن حياة أبنائه وبيته مع زيادة جرعة في العنف والصراخ والمشاكل اليومية، بسبب التلفزيون أو الموسيقى أو أي سلوك يعتبره الأب فاجرا ومحرما.

وفجأة أصبح الحديث عن الجهاد هو موضوع الساعة، في كل مرة يهدد بالرحيل كانت تحاول إقناعه بأن الجميع يهرب من سوريا، لكنه كان يواجهها قائلا: «علينا أن نعمر الدولة الاسلامية». وفي يوم من أيام سنة 2014 نفذ تهديده فكانت صدمة كبيرة في حياة الأطفال الذين نعتوا بأبناء الإرهابي، أما الأم فدخلت مرحلة ضياع جديدة.

ترك الأب الأسرة الصغيرة تعيش دوامة الرحيل ودوخة تدبير الحياة اليومية، انعدمت مداخيلها بعدما تراجعت تجارة الأب التي سقطت بين يدي أحد أقربائه، حاولت الزوجة جاهدة الإمساك بزمام الأمور، لكنها لم تستطع، كان الجميع يرى أنها غنيمة عليه أن يأخذ منها حقه. تدهورت أحوال العائلة التي أصبحت تقطن بيتا عشوائيا وبالكاد تتدبر قوت يومها.

«جئت إليكم كي أوجه ندائي إلى أعلى سلطة في البلاد كي ترأف بحالنا.. نحن نريد أن نعيش حياة عادية بعيدا عن هذا العذاب النفسي». تلك كانت آخر عباراتها قبل أن ترحل وقد غسلت دموعها وجهها.

حكاية إلهام هي حكاية العشرات من النساء اللواتي اعتنق أزواجهن التطرف ورحلوا إلى سوريا للالتحاق بصفوف داعش وباقي التنظيمات الإرهابية بعد أن تصيدتهم شبكات التجنيد.

اليوم في مجتمعنا لا أحد يدافع عن قضيتهن، هن اللواتي حرمن من حياة زوجية طبيعية زادت قساوتها بسبب تطرف الأزواج وتغير أحوالهن وتحول حياتهن إلى جحيم ابتلع أطفالهن الذين يعيشون حالة ضياع.

بعض الأسر التي فقدت توازنها أنتج أبناؤها نفس التطرف بسبب إهمال المجتمع، بعضها الآخر صمدت فيه الزوجات، رغم العذاب، وأمسكن بزمام الأمور بسبب ارتفاع مستوى الوعي لديهن ومحاولتهن دون جدوى توفير حياة طبيعية لأبنائهن.

لقد بدأت هذه الفئة الاجتماعية تتسع داخل مجتمعنا فالراحلون إلى سوريا تركوا أبناء وزوجات وأسرا مغربية من حقها علينا كدولة ومجتمع أن تعيش حياة طبيعة غير مضطربة، كي لا يصبح العنوان الأبرز في حياتهم «هؤلاء أبناء الإرهابيين»!.