ثقافة وفن

اللغو التلفزيوني

أسامة خيي الخميس 27 أكتوبر 2016
kk
kk

AHDATH.INFO خاص - أحمد الدافري

بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية، عادت القناتان الأولى والثانية السبت الموالي إلى التعامل مع المغاربة بالطريقة المعهودة، وقدمتا للمُشاهدين في لحظة الذروة، برنامجين ترفيهيين، يحمل الأول اسم "تغريدة"، ويُطلق على الثاني اسم "كي كنتي كي وليتي".. القناتان المغربيتان أقدمتا على هذا النوع من البرمجة، في يوم كان من المفروض أن يتم فيه ربط أي نوع من أنواع الترفيه التلفزيوني بمنتوج تثقيفي له علاقة بالاستحقاق الهام الذي عرفته البلاد، والذي يحتاج إلى نقاش وحوار وتحليل بين جميع الأطراف الفاعلة داخل المجتمع، بما فيها فئة الفنانين.. لكن قناتينا الوطنيتين، بدل أن تستدعيا بعض الفنانين لتناقش معهم موضوع الانتخابات التشريعية، وتطرحا معهم مثلا قضايا تتعلق بالحيز الذي خصصته الأحزاب السياسية للثقافة والفن في برامجها الانتخابية، فضلتا بث برنامجين مُعاديْن، الأول تطرح فيه منشطة تلفزيونية أسئلة سطحية على ضيوفها حول "متى بدأت؟ وما رأيك في هذا الفنان؟ وهل تحس بأنه قريب منك؟"، بلغة هجينة، فيها مزيج عجيب بين كلام مغربي دارج وعبارات فرنسية لا هدف منها سوى "شوفوني كنعرف نتكلم بالفرنسية"، والثاني يسأل فيه منشط تلفزيوني ضيوفه عن رأيهم كيف كانت الفنانة الفلانية قبل عشرين سنة مقارنة مع اليوم، وهل لازالت لها نفس العينين، فيتسابق الفنانون الضيوف على الإجابة، ويسعى كل واحد منهم أن يظهر معرفته الطافحة بالإفادة، وهم يتقافزون، ويتضاحكون، ليظهروا للمُشاهدين بأنهم مثقفون فوق العادة.

عندما يتابع المواطن المغربي (الذي يعرف اللغة الفرنسية جيدا، وليس الذي يرطن ببعض الكلمات منها في برامج موجهة للمغاربة الذين تعاني فئة كبيرة منهم من الأمية) برامج ترفيهية في القنوات الفرنسية، سيُصاب بالإحباط من مستوى البرامج الترفيهية لقنوات بلده، حين يكتشف النقاشات العميقة، المرتبطة بمختلف القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقانونية، التي ينغمر فيها الفنانون الفرنسيون، بأسلوب راقٍ، وبتلميحات كوميدية ذكية، وبنظرة عميقة ثاقبة، تظهر ما يمتلكونه من ثقافة نسقية شاملة، تسمح لهم بأن يكونوا قادة للرأي، وأن يمارسوا التأثير على المجتمع. فالترفيه الحقيقي هو الذي يُمارس عن طريق فنانين مُدركين، يملكون رؤية، ويدافعون عن قضية عادلة، ولديهم قدرات خطابية وتحليلية، وليس هو ما تُرسخه لدينا قنواتنا الوطنية، عن طريق برامج يوم الجمعة أو السبت، التي تعج بالفراغ والضحالة. وإذا كانت المؤسسة التلفزيونية المغربية تتحمل مسؤولية هذا التوجه المتدني على مستوى البرامج الفنية الترفيهية، فإن الفنانين يتحملون هم الآخرون قسطا كبيرا في هذه العادة السيئة. فالفنان الذي يسعى إلى التحول إلى قدوة للمجتمع، ملزم برفع إيقاع النقاش، وبالبحث عن منافذ داخل الأسئلة السطحية للتوغل داخل عمق الأشياء، وليس مفروضا عليه أن يجاري التفاهة، ولا أن ينقاد إلى السطحية. ولكي يبلغ هذا المستوى، ينبغي أن يكون مرتبطا بحياة الناس، وحاملا لقضاياهم، ومهتما بانشغالاتهم.. وحتى إذا لم يمنحه التلفزيون هامشا للتعبير، ولممارسة دوره الإشعاعي داخل المجتمع، ينبغي عليه أن يلجأ إلى وسائل التواصل الجديدة، وما أكثرها، في المناسبات التي تكون فيها هناك حاجة إلى إسماع صوته، وبالخصوص، في فترات الاستحقاقات الانتخابية، وهي الفترات التي، مع الأسف، يقتصر فيها دور فنانينا على ممارسة اللغو في التلفزة.