الكتاب

السينما بين الهند و باكستان (3/3)

أسامة خيي الخميس 03 نوفمبر 2016
haider-shraddha-kapoor-shahid-kapoor
haider-shraddha-kapoor-shahid-kapoor

AHDATH.INFO  خاص - بقلم شادي عبد الحميد الحجوجي

 

لا يمكننا الاستمرار في الحديث عن السينما بين الهند و باكستان دون ذكر  فيلم "غاندي" للمخرج البريطاني ريتشارد آتنبورو (أدى دور البطولة الممثل البريطاني من أصل هندي "بين كينغسلي" واسمه الحقيقي "كريشنا بهانجي")، الفيلم الذي دخل التاريخ ولم يوفر كتاب "غينيس" للأرقام القياسية (300 ألف كومبارس لمشهد جنازة غاندي)، الفيلم الذي حصد ثماني جوائز أوسكار مقابل 11 ترشيحاً..

هذا الفيلم ليس هنديا و لا باكستانيا، لكن مشاهدته ضرورية لفهم ماذا حصل للمناطق الشمالية - الغربية للهند حتى انفصلت لتشكل دولة باكستان، ولفهم كيف أن غاندي، هذا الزعيم التاريخي العظيم، عرض حياته للخطر جراء موقفه من المسلمين الذين أرادوا الاستقلال عن الهند، و لم يكن يلومهم على شئ قدر لومهم على العنف، وهذا ما لم يتقبله الهندوس المتطرفون، فاغتالوه لأنهم لم يفهموه، حتى وهو يعطيهم الدليل على أن العنف ليس حلا، حتى وهو يترك لهم الهند و قد استقلت بفضل نضاله السلمي القوي.

من الرسائل البليغة لهذا الفيلم، أن اغتيال "الماهاتما" لم يكن على يد المحتل الانجليزي، و لا على يد الانفصاليين المسلمين، و لكن كان على يد الهندوس، وقد أطلق عليه أحدهم الرصاص وهو خارج من صلاة المساء.. "يا إلهي".. تلك كلمة قالها "غاندي" قبل أن يسقط، في نهاية لم تكن متوقعة بهذا الشكل المريع..

ليس فقط هذا النوع الجيد من الأفلام يستطيع أن يفسر لك أشياء ملتبسة في تاريخ العلاقة بين الهند و باكستان، هناك أيضا أفلام تجارية مثل الفيلم الهندي "العميل فينود" الذي يفتح عينيك على معطى لا ينتبه اليه الكثيرون، وهو أن الولاء للوطن ليس محكوما بالدين دائما، هذا الفيلم بطله ليس سوى سيف علي خان، المنحدر من أسرة مسلمة، لكنه أنتج و مثل في فيلم اعتبرته باكستان مسيئا لها.

عندما تشاهد هذا الفيلم بشكل "محايد"، تقتنع بأن باكستان أصبحت لها حساسية مفرطة اتجاه الأعمال التخييلية، وموقفها هذا يريد اقناعنا بأن "سيف علي خان"، استيقظ ذات صباح، و قال مع نفسه، بما أنني سليل أسرة اعتنقت الاسلام منذ قرون، فلماذا لا أنتج فيلما يسئ لباكستان المسلمة، و حركة طالبان الأفغانية، باعتبارها احدى المخلوقات الاسلامية التي أشرفت اسلام أباد على اخراجها لهذا العالم حتى تنشر فيه الحب و السلام؟..

باكستان بمنطقها هذا لديها مشكل حقيقي، و هذا لا يعني أن الهند في المقابل لم ترتكب مجازر في كشمير، لكن لما تتابع أحداث فيلم "حيدر"، واحد من أهم الأفلام الهندية لعام 2014، (تدور أحداث القصة حول الشاعر حيدر الذي يعود إلى كشمير في ذروة التمرد ليجد أن والده اختفى ووالدته أقامت علاقة مع عمه، فتأخده السياسة وسط رحلة الثأر لأبيه. ويعرض الفيلم مشاهد معبرة للغاية عن التعذيب في معسكرات الجيش الهندي والكثير من انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها المسؤولون الهنود)، و تسمع مواطنين هنود يحرضون على منعه و مقاطعته بدعوى أنه يمثل "اهانة للأعمال البطولية للجيش الهندي في كشمير"، و مع ذلك يسمح بعرضه في الهند، بل أكثر من هذا، تجد هنودا يعتبرون أنه "من خلال حيدر فإن الثقة في بوليوود (السينما الهندية) تحيا من جديد.." و "أنه فيلم جذاب للغاية.. ومؤثر"، أو يقولون إن "حيدر يحظى بالإشادة من خلال حديث الكثيرين عنه، وقد حاز على قلوب الملايين بالفعل". أو يطلقون هاشتاغ بعنوان "حيدر السينما الحقيقية"، ثم تقرأ لكبير المحللين في "المجلس الهندي للشؤون الدولية" بأنه "مع تعزيز التقاليد الديمقراطية في البلاد، فإن المزيد والمزيد من هذه الأفلام ستنتج وسيجد الناس مصدر تثقيف فيها. وحيدر هو أول خطوة في هذا الاتجاه". تعترف بأن الهند أصبحت أكثر انفتاحا على مناقشة قضايا حساسة بفضل تطورها الديمقراطي، وهو أمر لن تعرفه باكستان في المستقبل القريب، لاختلاف الأنظمة السياسية و السياسات الثقافية و الدينية مقارنة مع جارتها.. و الدليل هو أن أول رد فعل لها مع فيلم "حيدر"، كان هو منع عرضه في باكستان، فقط لأنه صور في الجانب الهندي من كشمير..

وقد واجه فيشال بهاردواج مخرج الفيلم بدوره انتقادات شديدة بسبب ما وصفه كثيرون بأنه "تصوير غير منصف" لقوات الجيش الهندي، لكنه دافع عن أحداث الفيلم، وقال "أنا هندي، وأنا أيضا وطني وأحب بلدي، لكنني سأعلق بالتأكيد على أي شيء غير إنساني"..

لماذا ستستمر هذه الفروقات الجوهرية في التعاطي مع الأفلام بين الهند و باكستان لخمسين سنة قادمة على الأقل؟

الجواب في نظري، هو الاختيارات الاستراتيجية لكلا الدولتين.

فالهند اختارت أن تقوي لحمتها بالحكم الديمقراطي، فضلا على أنها دولة علمانية بنص الدستور. أما باكستان فعرفت الانقلابات العسكرية مبكرا، و طابعها الديني المتنامي، و العضوي في تكوينها، يقربها أكثر من الاستبداد.

الهند و باكستان يوجدان في منطقة حضارات كبرى، لكن باكستان لم تعد قادرة على الاستفادة من هذا الغنى، لأنها عوضته بالتنميط الطالباني لمجتمعها، في الوقت الذي يتعايش في الهند مئات الأجناس و اللغات و الطوائف و الديانات، و هذا معين لا ينضب و عامل مساعد على الابداع.

في الهند ألوان كثيرة مبهجة، في باكستان دين واحد و طائفتان من نفس الدين، سنة و شيعة، و لون الدم هو الطاغي في علاقتهما، فماذا تنتظر من هكذا "لوحة"؟..

عندما اختار بعض المسلمين الانفصال عن الهند، سموا دولتهم باكستان، أي الأرض الطاهرة، و هذا يعني أن الأرض التي هربوا منها "نجسة".. مجرد التمعن في طريقة التفكير هذه، تفقد الأمل في أن تكون باكستان مثل الهند، و التي رغم الاختلافات الحادة و الصعبة التي تخترق مجتمعها في الاعتقادات و الطبقات الاجتماعية و اللغات و العرق و الطقوس و الأعراف و التقاليد و الطبائع و العادات.. لكنها تنجح في صناعة سينما مبهرة، وفي جعل الجميع يضحكون ويبكون معا أثناء مشاهدة أفلامها.. و أولهم الجيران.. في باكستان..