آراء وأعمدة

ليـــس باسـمــــي

أسامة خيي السبت 18 أكتوبر 2014
ليـــس باسـمــــي
ليس-باسمي

بقلم: محمد البريني

هل المسلمون مطالبون بالتعبير عن موقفهم مما ترتكبه الجماعات الإرهابية من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية باسم الإسلام؟ البعض اعتبر أن المسلمين، الذين يتجاوز عددهم المليار والنصف، ليسوا مسؤولين عن سلوك أقليات إرهابية جاهلة، تمارس دينا لا علاقة له بالدين الإسلامي الحق، وتوظفه في سعيها لإقامة نظام شمولي أتوقراطي، ويرى أن مطالبتهم باتخاذ موقف تجاه تلك الجماعات يؤشر إلى وجود خلط تعسفي (وربما خلط متعمد) بين الإسلام وما تقترفه التنظيمات الإرهابية. يذكر أصحاب هذا الرأي بأن المسلمين هم الضحية الأولى للإرهاب، وبأن الحكومات الغربية وبعض الدول التيوقراطية الإسلامية هي المسؤولة عن ولادة الإرهاب وتناميه واتساع الرقعة الجغرافية التي لوثها وزرع فيها سرطانه.

البعض الآخر، اقتنع بوجوب إزالة الخلط، وأدرك أن الاستمرار في الصمت لن يزيد سوى في استفحاله، وفي تكريس أسباب سوء الفهم، وتفاقم الجهل بالحقائق، واستوعب أن الانتفاضة ضد التشويه الذي يتعرض الإسلام من طرف الجماعات الإرهابية، أصبحت واجبا على المسلمين القيام به بأنفسهم، وعدم تفويض ذلك لغيرهم.

لعل الوصول إلى هذه الخلاصة من التفكير هي ما كان وراء ظهور أنواع جديدة من التعبير عن رفض أفكار وممارسات التنظيمات الإرهابية. منه شعار: «ليس باسمي» الذي رفعه مسلمون بثلاث لغات (إنجليزية وفرنسية وعربية) في بداية الأمر بإنجلترا، ثم انتقل إلى بلدان أوروبية أخرى، خاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي. في المغرب ترجم إلى الدارجة فأصبح: «ماشي باسميتي». رفع هذا الشعار تبرؤا من الجرائم التي اقترفها إرهابيو «داعش» في العراق وسوريا، وإدانة لعمليات نحر مواطنين غربيين منهم من كان يقوم بعمل إنساني، ومنهم من كان يقوم بمهمة صحفية. في فرنسا، انتفض آلاف المسلمين، خلال تظاهرة أقاموها أمام مسجد باريس، ووجهوا رسالة واضحة، تقول إن المسجد مكان للعبادة وليس مكانا لتلقين التطرف والانغلاق، ولا مكانا لتجنيد الإرهابيين.

يرجى أن تتكرر مثل هذه المبادرات. لماذا؟

الجماعات الإرهابية لم تتوقف عن التنافس في تشويه صورة الإسلام، وتقويض رسالته. توفر المادة الإعلامية والأديولوجية التي تنقض عليها الجهات اليمينية والعنصرية والإسلاموفوبية، فتوظفها في نشر الكراهية والعداء ضد المسلمين، والنظر إليهم بكثير من الريبة والتوجس، وتعريض جالياتهم في البلدان غير الإسلامية إلى أخطار العنصرية والإقصاء.

علينا ألا نغالي في تقدير نجاعة التصريحات التي يطلقها رؤساء الدول والتوضيحات التي يكررونها في كل مناسبة، والمجهودات التفسيرية التي يبذلها كثير من المثقفين، قصد توعية مواطنيهم بخطر وخطإ وخطيئة الخلط بين الإسلام وبين أديولوجية الإرهاب. إن الصور التي يحملها عنا الجمهور في البلدان غير الإسلامية، هي صور قطع الرؤوس، واقتراف المجازر أينما حل الإرهابيون، وسبي النساء، واغتصابهن، وتحطيم المآثر، والاعتداء على الأقليات الدينية والإثنية، والدفع بمن نجا من المجازر إلى متاهات التشرد، والحرمان والانضمام إلى صفوف اللاجئين، وهمجية القوانين التي تمارس على من عجز عن الهرب، وصور الجرائم التي يقترفها، في هذه المدينة الأروبية أو تلك، شباب سبق تجنيدهم في جماعات إرهابية...الخ.

هل علينا تحمل هذه الوضعية، وقبول استمرار بعضنا في تبريرها؟ إن أصحاب شعار «ليس باسمي» والمشاركين في تظاهرة باريس على حق لما خرجوا عن الصمت، لينوبوا عنا جميعا في الدفاع عن المسلمين وعن صورة دينهم، وفي الجهر بأن الجماعات الإرهابية لا تمثلهم، وأنهم لم يفوضوا لها أن تتحدث باسمهم ولا باسم دينهم، وأنها استحوذت على صفة وسلطة ليست لها، وأن ما تقترفه جريمة واعتداء في حق الإسلام.