هنا و الآن

طلحة جبريل يكتب: سقى الله تلك الأيام

أسامة خيي الاحد 19 مارس 2017
مدينة-سلا
مدينة-سلا

AHDATH.INFO- خاص - بقلم: طلحة جبريل

الطريق بين سلا والقنيطرة تغيرت كثيرا.

بدت لي «سلا» مدينة عريقة.. لكن تعرض عوراتها على قارعة الطريق.

زحام وزعيق وأزقة متعرجة، وقليل من المال وكثير من الفقر. واضح أن الهجرة القروية جعلت منها «قرية كبيرة». مدينة لها تاريخ، لكن استعصت عليها الجغرافية. كانت تعيش على البحر، وأصبحت تخشى أمواجه.

أما «القنيطرة» فهي مدينة تتذكر باستمرار سنواتها الطويلة مع الأمريكيين، لكن «سلا» تجعلك تنسى أنك أصلا في مدينة. تتجدد«القنيطرة» وتتجمل وتتمدد. من مدينة سيئة الحظ، مغضوب عليها، إلى حاضرة تحاول أن تعيش إيقاع العصر ومذاقه.

كان يوما خريفيا ماطرا عندما عبرنا «القنيطرة» باتجاه «علال التازي».

كانت «القنيطرة» مبتلة. رائحة المدينة مبتلة. رائحة الشوارع مبتلة. رائحة الثياب مبتلة. رائحة السيارات مبتلة. القطارات مبتلة. رائحة البيوت مبتلة. خليط من روائح القهوة والثوم والأجبان.

في ضاحية قرب «علال التازي»، كان في انتظارنا «الهاشمي بوحميدات»، وحفيده سعيد.. وشقيقه «عبد الرحمن».

على طريقة فلاحي منطقة الغرب، قدما لنا «شجرة موز»، وكمية من ثمرة «الباباي». اتجهت المنطقة نحو زراعات إستوائية، إذ إن هذه الفواكه لا تنمو عادة إلا في منطقة ذات مناخ إستوائي.

يعتمد فلاحو المنطقة على تغطية مزروعاتهم بخيام بلاستيكية لتوفير «المناخ الملائم»، كما يقول المختصون.

استورد فلاحو منطقة الغرب أشجار الموز والباباي من أكادير، التي تستوردها بدورها من بعض البلدان الإفريقية.

استغنوا عن الكثير من المزروعات، مع التركيز على الخضروات والفواكه.

يزرعون إضافة إلى الموز والباباي، شجيرات ثمرة «الأفوكاتو».

لأول مرة أرى شجيرة ترتدي ثوبا بلاستيكيا يلفها الفلاحون بهذا الثوب، لضمان نموها بكيفية طبيعية،وهي ما تزال صغيرة فوق سطح الأرض، يعرفون ماذا يمكن أن تجلب لهم من مال، يقولون إنها ستثمر بعد ثلاث سنوات، وأن كل شجرة يمكن أن يكون محصولها ما بين 20 إلى 30 كيلوغراما، وتصل إلى مائة غراما بعد خمس سنوات، يبيع الفلاح الكيلو بسعر ما بين 10 إلى 15 درهما.

هؤلاء ناس يحسبون كل شيء بدقة.

حياتهم هي الأرض. الأرض هي الماضي والحاضر والمستقبل.

مشكلتهم الأساسية هي وسائل النقل.

حلت مدينة «القنيطرة» المشكلة بطريقة خاصة، إذ مددت خطوط الحافلات إلى خارج المدينة، بحيث لم تعد «حافلات حضرية»، بل أصبحت حافلات «حضرية وقروية».

حل مبتكر.

في منطقة «الغرب»، يعاني سكان المنطقة مع وسائل النقل، خاصة انتقال التلاميذ من القرى والمداشر إلى حيث توجد مدارسهم.

على سبيل المثال ، في قرية «سوق الأحد» قرب «علال البحراوي»، يدرس التلاميذ في مدرسة متواضعة لمدة سنتين، ينتقلون بعدها إلى «علال البحراوي».

«ينتقلون» هنا ليس فعلا مجازيا، بل هو انتقال مدرسي.. وكذلك من مكان إلى آخر.

أكتب معهم بتعاطف شديد.

أنت أيها الفتى كنت أيضا تعاني كثيرا في التنقل إلى المدرسة.

سقى الله تلك الأيام.