السياسة

‘‘ ذو هيل‘‘ الأمريكية : الأخطاء الأمريكية الثلاث في العالم العربي

سعيد نافع الجمعة 14 أبريل 2017
Capture
Capture

 

AHDATH.INFO - أحمد الشرعي

منذ بروز تنظيم القاعدة  والدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش ) ، غيرت أمريكا مقاربتها في محاربة الإرهاب ثلاثة مرات، واقترفت بموجب هذه التغيير نفس الخطأ، ثلاثة مرات .

خلال ولاية جورج بوش الابن، ركز صناع القرار في أمريكا على دول محور الشر التي تدعم الإرهاب بالرجال والمال والعتاد . قادت هذه الفكرة إلى تبني استراتيجية تسعى إلى القتل واعتقال النشطاء والمقاتلين، وتجفيف منابيع تمويل الإرهابيين، والحرص على عدم تزود المتطرفين بالمواد الخطيرة كالأسلحة النووية والكيماوية . غير أن هذه الرؤية شخصت على أنها ‘‘ مقاربة استباقية ‘‘ ، وصورت بالمحصلة على أنها حرب من الغرب على الإسلام، على الرغم من نفي بوش المتكرر في خطاباته المتوالية .

الرئيس باراك أوباما كان مؤمنا بأن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتخلى بشكل واضح على مفهوم ‘‘ صراع الحضارات ‘‘ وترافع طويلا ضد استخدام القوة العسكرية في تكتيك مواجهة الإرهاب ( ومع ذلك فقد أمر بضربات جوية من دون طيار ثلاثة مرات أكثر من بوش الابن ). بالمقابل، فتح قنوات حوار مع القوى الإسلامية المختلفة، من طالبان في أفغانستان إلى الإخوان المسلمين في مصر .

كان أوباما يأمل في أن يقتنع الأصوليون بأن الغرب لا يسعى إلى محو الحضارة الإسلامية، وأن يستبدلوا السيارات المفخخة بالحملات الانتخابية. وعندما التحق المقاتلون بالتحالفات الديمقراطية والحملات الحزبية السياسية، اعتقد أوباما، أن مسؤولياتهم الجديدة ستجعلهم يتصرفون بطريقة ‘‘ مسؤولة ‘‘. غير أن رجع الصدى كان مدويا .

سوء فهم مزمن

الديمقراطيون العرب رأوا في خطوة أوباما ‘‘ خلطا ‘‘ لهم مع القتلة والإرهابيين، ما دفع البعض إلى إحراق صورة السفير الأمريكي في القاهرة في ميدان التحرير. الآخرون فقدوا كل الثقة في الإدراة الأمريكية . في تلك الأثناء، المتطرفون والإرهابيون لم يقتنعوا بأهمية تقاسم السلطة أو إجراء الانتخابات بعد سيطرتهم على السلطة، ما أدى في مصر، إلى انقلابات دموية رافقتها هجمات إرهابية متكررة. في أفغانستان والعراق تكرر المشهد، وكان أبطاله دائما الإرهابيون الراغبون في المساومة على السلطة والتحكم.

بعد انتخاب ترامب، انتقلت أمريكا إلى المقاربة الثالثة . وبينما تطلبت مفاوضات أوباما إدماج الاختلاف الأيديولوجي في النقاش السياسي، وإلغاء عبارات ‘‘ الإسلام المتطرف ‘‘ و ‘‘ الجهاد ‘‘، ارتأت إدارة ترامب أن تسير في الاتجاه المعاكس، مع التأكيد، بالضرورة، على إعادة استخراج هذه العبارات تحديدا واستعمالها في المعجم الجديد .

كانت الفكرة مرتبطة بكون الحرب على الإرهاب جزء لا يتجزأ من من الحرب على الأفكار التي تنتجه، وأن أفكار العدو محكوم عليها بالموت . وعليه فقد أدى هذا التصور إلى تصنيف الدول المساندة للتطرف ومنع مواطنيها من السفر إلى أمريكا، وهو مؤشر على قصور المقاربة في التمييز بين أصدقاء أمريكا الحقيقيين وأعدائها . والحقيقة أن كل هذه المقاربات لم ترسخ سوى الأخطاء السابقة، دون أن تأخذ بعين الاعتبار تعقيد حقيقة العالم العربي اليوم .

كل هذه المقاربات السياسية تغمض العين عن مشهد الحروب الأهلية التي تمزق دولا عربية عديدة، وتفرق أفراد الأسرة الواحدة، وتحفر الهوة بين الأجيال المختلفة. فمن جهة، الأغلبية الساحقة من العرب تحن إلى السلام والازدهار الاقتصادي، وإلى مؤسسات مستقرة وحكومات نزيهة .

لكن في الجهة المقابلة، توجد قلة قليلة تؤمن بالعنف كحل وتعتقد أنها الطريقة لإلقاء السياسة جانبا، وبالتالي تحقيق حلم أوتوبيا خلافة القرن السابع الميلادي في شبه الجزيرة العربية. وقد أثبتت التجربة أنهم، وفي كل مرة سنحت لهم فيها الفرصة للسيطرة على الحكم من أفغانستان إلى سوريا إلى العراق ولفترة محدودة في مصر، لم يبدي هؤلاء الطوباويون صبرا ولا طاقة على احترام حقوق الإنسان، وحرية التعبير، والملكية الخاصة والقوانين الدستورية.

 

حروب أفكار

بالمختصر المفيد، الحروب الأهلية العربية تجسيد لصراع فكري بين الحداثة والقرون الوسطى، بين الحرية والاستعباد. على أمريكا أن تصطف بوضوح مع تيار المستقبل والحرية، وأن تدعم التوجهات العربية التي تسير في هذا المنحى . فبينما يتخذ الإسلام السياسي أقنعة مختلفة، يظل موقفه ثابتا في رفض القيم الكونية .

الاستراتيجية الأمريكية يجب أن تنتصر لقيم حقوق الإنسان، وأن تصاحب تطلعات الديمقراطيين العرب الشجعان التي تتماشى مع هذه القيم. على أمريكا أن تعرف أن لديها الكثير من الحلفاء في الشعوب العربية، وأن تشجع الإنسان العربي على المستوى الفردي، وليس المستوى الجماعي الذي يندرج في إطار الأمة – الدولة . وهو ما يعني تبني استراتيجية متعددة المستويات ، تعتمد على البث المباشر ومواقع التواصل الاجتماعي، لمحاربة الأفكار المتطرفة وتقديم البدائل المعقولة . في مقابل مفاوضة الإرهابيين، على أمريكا أن تعزز علاقاتها مع دعاة السلم والتسامح في كل العالم العربي.

وإذا كان ترامب يسعى لاكتساب المزيد من الدعم العربي، عليه أن يغلق باب الحوار أمام التطرف، مستعيدا فكرة الاستسلام من دون شروط التي فرضتها أمريكا على المنهزمين بنهاية الحرب العالمية الثانية. وبدون وضوح الهدف و تحديد الحلفاء الحقيقيين، لن تكون أمريكا قادرة على اكتساب دعم الإجماع العربي .

وبالعمل إلى جانب حلفائها، يمكن للولايات المتحدة تطوير الإسلام المعتدل أو الهادئ ، بتجاوز الحياد حول المسائل العقائدية. وهذا يعني العمل يدا في يد مع الزعماء الدينيين، وأغلبهم أئمة خاضعين لتكوين ودعم من الدولة، لمواجهة الجهاد الديني وتقديم شكل إيماني جديد خالي من العنف .

للحد من النفوذ السياسي للأحزاب والأغلبيات المؤقتة، يمكن للإسلاميين أن يلعبوا دورا تحدده بدقة الشروط الديمقراطية، على اعتبار أنهم يتشكلون داخل كيان سياسي لا يختلف عن باقي الأحزاب . وهذا التصور هو الذي يتبناه المغرب، حيث استغل العاهل المغربي الملك محمد السادس دوره الديني، كأمير للمؤمنين، ليلهم القادة الدينيين في مواجهة الجهاديين، وتبني خطاب التسامح والسلم . العاهل المغربي، أمضى عقدا كاملا في ترسيخ الإصلاحات الديمقراطية تدريجيا، التي بلغت أوجها من خلال تبني مبدأ ملكية برلمانية تفوض كل السلط ( باستثناء الخارجية والأمن القومي والاستخبارات ) في برلمان منتخب بطريقة ديمقراطية .

الإسلاميون في المغرب، الذي حازوا على أغلبية الأصوات في الانتخابات البرلمانية بنسبة تصل إلى 20 بالمائة، شكلوا ائتلافا حكوميا مع أحزاب حداثية ويحكمون اليوم في المملكة بمبدأ التوافق . فالمؤسسات القوية تتحدى الطموحات الخطيرة للأشخاص .

الدول العربية مختلفة عن بعضها كثيرا، وهذه الأفكار قابلة للتأقلم في كل منها. السلام والحرية قيم كونية وتحوز على الكثير من الدعم في البلاد العربية. على الولايات المتحدة أن تركز على الحلفاء، أكثر من تهدئة الإعداء .