تراث حساني

التراث الحساني: عراقة يجمعها الجمر والجر والجماعة

حكيم بلمداحي السبت 20 مايو 2017
التراث الحساني: عراقة يجمعها  الجمر والجر والجماعة
خيمة-صحراوية-620x410

الباحث محمد البوزيدي

التراث الحساني جزء من الهوية الوطنية التي تشكلت عبر قرون بتفاعل بين مختلف المجموعات البشرية التي سكنت الصحراء المغربية ،وهو متنوع يتميز بخصائص فريدة تتكامل مع الهوية الوطنية ،كما يتميز بغنى أشكاله وتجلياته سواء على الصعيد المادي او اللامادي  .

ويمكن الحديث عن هذا التراث انطلاقا مما يلي:

1*الموسيقى الحسانية : تجد امتدادا جغرافيا عميقا لها في موريتانيا كما تمزج بين الموسيقى العربية والإفريقية. تعتمد المزاوجة بين الغناء والشعر والرقص مما يضفي عليها قيمة فنية جميلة. توظف مجموعة من الآلات الموسيقية التي تنفرد بها الصحراء ويمكن تقسيمها إلى قسمين :

الأول : موسيقى شعبية تتعاطاها الساكنة على اختلاف ثقافتها ومستوياتها الاجتماعية والاقتصادية ومن أبرزها رقصة الكدرة التي يشارك فيها الرجال والنساء على السواء وأحيانا تقتصر على الرجال مع راقصة واحدة حيث تتفرغ باقي النساء للتفرج والتصفيق من أجل التشجيع.

الثاني: موسيقى محترفة توظف آلات موسيقية حديثة تتعاطاها  فئة "ايكاون" وهو لقب يطلق على المغنين الذين ينتظمون في مجموعات غنائية خاصة تكون رهن إشارة الساكنة للعزف في مختلف المناسبات الاجتماعية.

وتشتهر هذه الموسيقى ب"الهول" حيث تجمع بين العزف وموسيقاه والشعر وطريقة إلقائه، كما توظف فيه مختلف الآلات الموسيقية التي تعطي إيقاعا متميزا.ومن أبرزها :

الطبل: ويعد من أهم وأقدم الآلات الإيقاعية ، يصنع من خشب شجرة الطلح المنتشرة كثيرا بالصحراء ويغلف بالجلد على مساحة دائرية قد يصل قطرها إلى 40 سم ،كما يتم إحداث ثقوب على أطرافه لفرز مختلف الأصناف الصوتية في العزف بعد أن يضرب باليدين العاريتين أو بواسطة عودين صغيرين.

التدنيت: وهي آلة موسيقية يعزف عليها الرجل ، عبارة عن طبل مصنوع من الخشب وعليه طبقة من جلد الغنم وعود من الخشب مصنوع من شجرة محلية تدعى (التيدوم)، ولها أربعة أو خمسة أوتار ناعمة وحساسة عند اللمس تدعى الأعصاب

الآردين :وهي آلة موسيقية تقليدية تعزف عليها المرأة وتشبه التدنيت، لكن تختلف عنها قليلا ، يحيث يوجد عمود مثبّت بحاشية الطبل في وضعية مائلة لشد الأوتار التي يختلف عددها من ثمانية إلى ثلاثة عشر وترا والمصنوعة من (لَعْصَبْ)، وهي من أمعاء الغنم، أو زغب أذناب الخيل، وتكون مشدودة بمسامير حيث تستطيع المطربة تحريكها وقتما تشاء بشكل لولبي وفق ما يتطلَّبه التحوُّل (التَّبْرَامْ) من مقام موسيقي إلى آخره.وعلى سطح قاعدة الآردين  تثبت قطع معدنية محاطة بحلقات نحاسية دائرية صغيرة –لخراسْ- حيث تصدر أصواتا عند ضرب العازفة تساهم في النقر وتنويع الصوت.

النَّيْفَارَة، أو لَگْصَيْبَة، هي الناي في قاموس الموسيقى الحسَّانية، وتصنع من القصب المجوَّف في حدود المتر تقريباً ، مفتوحة من الرأسين وذات صوت شجي. كما تحتوي على ستة ثقوب متقايسة في الوجهة الأساسية ومقسمة إلى مجموعتين متساويتين في الأبعاد، و لها ثقب واحد في وسط الوجهة الخلفية. فتصدر أصواتا يتحكم فيها العازف بوضع أصابعه على الثقوب.

الكيتار: وهو معروف في الموسيقى الغربية والذي يصدر الصوت الجهير بمجرد ضرب أوتاره

2*رقص جميل وزي أجمل

يعد الرقص الذي يؤديه الرجال أو النساء أوهما معا ،محورا رئيسيا في موسيقى الصحراء، وهو هادئ وشجي يثير المتلقي أكثر خاصة أنه يعتمد على حركات مضبوطة للأصابع واليدين والذراعين ويوظف شعر الرأس في حركات شبه دائرية وتنعدم فيه مختلف مظاهر العنف أو الخلاعة أو القفز المعروف في الموسيقى العصرية.

ويحرص المغنون والراقصون والمتفرجون على التزين وارتداء الزي التقليدي الذي يضفي بهاء خاصا على صاحبه ويمنحه قدرة على التكيف مع مختلف خصوصيات المناخ الصحراوي ومن

أهم الملابس :

الضراعة يرتديها الرجال وهي ثوب أبيض أو أزرق، فضفاض،وله فتحتان واسعتان على الجانبين مخيط من أسفل طرفيه وله جيب على الصدر،

اللثام ولونه أسود يوضع حول العنق طوله مترين وعرضه نصف متر.

الملحفة لباس النساء وهي ثوب يتراوح طوله ما بين أربعة وخمسة أمتار وعرضه متر واحد.

النعال وتصنع من الجلد .

ولإعطاء نفس متميز للحظة الانسان الصحراوي خاصة حين يكون مع ضيوفه – والصحراء عرفت بكرمها الحاتمي منذ زمن بعيد - يتم استعمال البخور المحلي ،كما لا تكتمل إلا بجلسات الشاي المرافقة التي تستمر زمنا ليس باليسير على ايقاع ثلاث جيمات :الجيم الاولى :الجمر دلالة على تهيئة وطبخ الشاي وفق قوس خاصة :الجر  والمقصود به طول المدة الزمنية لتحضير الشاي. الجماعة  التي لا يكتمل المشهد الا بدونها حيث تكون المناقشات وتقصي الاخبار،كل ذلك تحتضنه خيمة الصحراء الفضاء المميز للمنطقة وإن كان راهن الخيمة يثير تساؤلات عميقة انطلاقا من أنها فقدت قيمتها الاعتبارية داخل المدينة  .

للتذكير فالخيمة الصحراوية التي تصنع وفق طقوس معينة من وبر شعر الجمال وتتشكل وفق مقاس هندسي يراعي حماية قاطنيها من تغيرات الاحوال الجوية خاصة أنها كانت البيت الوحيد –ولازالت -الذي يعتمد عليه قبل انطلاق عملية التمدن منذ المسيرة الخضراء .

الصناعة التقليدية : وهي مجموعة من المواد التي توظف في الحياة اليومية للصحراء وقد دأبت فئة اجتماعية تسمى لمعلمين على صنعها حيث اكتسبت تجربة كبرى في هذا المجال .

وتعتمد  هذه المواد في تهيئتها على مجموعة من المواد الأولية المستخرجة من البيئة الصحراوية كجلود الماعز والجمال، أو من خشب مختلف الاشجار خاصة الطلح،كما أن بعضها يعتمد على الفضة،

ويمكن جرد أبرز المنتوجات في هذا المجال :

الكدحة  وهي إناء خشبي لشرب حليب الإبل

أمشقب وهو بمثابة هودج يوضع فوق ظهر الجمل وتحمل عليه  النساء فقط،

الراحلة" وهي نوع من المقاعد الخشبية المغلفة بالجلد والخاصة بالرجال للركوب على الجمال،

التاسوفرة" حقيبة رجالية كبيرة وعريضة لحفظ الأغراض أو بعض الأمتعة الضرورية،

إن هذا التراث الحساني يشكل جزءا مهما من الهوية الوطنية فهو يغنيها ويزيدها تألقا ،لذلك دأبت مختلف التظاهرات الثقافية داخل الاقاليم الجنوبية وخارجها على الاحتفاء به والتعريف به وتكريم رموزه وتنظيم معارض خاصة به وندوات علمية وسهرات فنية ،كما خصص له البرنامج التنموي للأقاليم الجنوبية مشاريع مختلفة لتثمينه والمحافظة عليه.