مجتمع

محمد فال القاضي أكاه: مذكرات عائد موريتاني من جحيم معتقلات البوليساريو (ح:20)

محمد سالم الشافعي/ عبد الكبير اخشيشن الأربعاء 21 يونيو 2017
FALLLLLLLL
FALLLLLLLL

رغم غسيل القيادة الرشيدة الذي ملأ رأسي.. التعذيب الوحشي واختفاء أصدقاء سفري فتح نوافذ الشكوك

وراء قناعتي التي كانت تقاوم صورة هذه الحقائق البشعة، فقد كان السيناريو السخيف الذي عمم عن شبكة الجواسيس المختلقة ينص على أن عناصرها موسومون بثلاثة شروط أساسية، وهي أن يكون العنصر من أصول صحراوية، أو تكون له خؤولة من إحدى القبائل الصحراوية، أو أن يكون قد عاش في الصحراء لسبب من الأسباب.

وهذه الشروط الثلاثة من أهم المسائل التي تنقصني، لذلك كنت مطمئنا إلى حد ما بأن الدور لن يأتي علي، وكنت خلال تلك الفترة كلما اختفى أحد الذين أعرفهم و«وسوس لي الشيطان» بأنه لا يمكن أن يكون جاسوسا أجد لنفسي مبررا وحيدا وهو أن القيادة لا تكذب، وكان الشخص الوحيد الذي وجدت صعوبة في إقناع نفسي بأنه مجرم هو أخي وصديقي أحمد بزيد ولد بده الذي لم أفترق معه منذ أيام الإعدادية في نواكشوط. غير أنني في النهاية وجدت مخرجا يجنبني مجرد الاعتقاد بأن «القيادة الرشيدة» قد ظلمته، وهو أنه يمكن أن يكون قد تم تجنيده خلال السنة التي قضيتها في ليبيا.

استمر الاختطاف بشكل شبه يومي أو ليلي على الأصح، وكانوا يتعمدون في بعض الحالات وخاصة في مدرسة 12 أكتوبر أن يعذبوا الموقوف في الإدارة قبل ترحيله إلى مقبرة الرشيد، من أجل أن يسمع صراخه قصد بث الرعب في نفوس الباقين فكل المعلمين يتذكرون كيف كان المجرمون يعذبون المرحوم محمدن ولد أحمد يامر ليلا في إدارة المدرسة وهو يصرخ بأن يشرفه أن يكون جاسوسا إذا كان أخواه أمان ولد الخالص وأحمد بزيد ولد بده جاسوسين، بل إن هناك من هو متأكد مثلي من هوية اثنين ممن عذبوه وهما طباخ الإدارة المسمى (فولان)، ومدير الدروس (ابراهيم كردلاس).

وبالنسبة لي، فقد استمرت تلك السنة دون أن أتعرض لمشاكل تذكر غير أنني كنت أقاسي فراغا وألما نفسيين بسبب اختفاء كل الأصدقاء الذين تشاركت معهم مشاق السفر إلى هذا الوضع ولم يكن لي مأوى أذهب إليه سوى أقاربهم الذين استقبلونا أول مرة وكانوا لي نعم الأهل فلم تعد نفسي تطاوعني بالذهاب إليهم في العطلة حتى لا أذكرهم بمأساة أبنائهم الذين اختفوا ويجهلون مصيرهم، لذلك كثيرا ما كنت أقضي العطل في المدرسة قبل أن أتعرف على أمي التي لم تلدني (اكجيميلة منت عينا) رحمها الله ويصبح لي إخوة لم تلدهم أمي ولا أبي (ببيه، دداه والغوث أبناء ببانه).

كان جدولي الزمني خلال تلك السنة مشحونا تماما وقد أسند لي معه إعداد برامج الإذاعة المدرسية، فكان علي كل ليلة بعد تحضير دروس الغد أن أحضر تلك البرامج وأمرن التلاميذ على تقديمها قبل بثها في الصباح وفي المساء، وحين أغلقت المدرسة أبوابها كان قد تقرر نقل مقر لجنة المناهج الدراسية من مدرسة 9 يونيو إلى مدرسة 12 أكتوبر فوجدني أعضاؤها أمامهم لنبدأ العمل.

اختفى العديد ممن كانوا يشاركون في عملها، إما لتحضير المواد أو لسحب الكتب، مثل المرحوم محمد موسى ولد المختار الذي كان نجمها بدون منازع، كما اختفى كذلك الصديق العزيز سيد أحمد ولد آشليشل والمرحوم باب ولد الشيخ، ولكي تكتمل صورة البؤس يبدو أنه قد تقرر أن أكون الهدف التالي، فبدأت المضايقات من ذلك الوقت وكانت على شكل جرعات كي تظل أعصابي تحترق.

كانت أولى التهم التي وجهت لي في أول استدعاء تذكرني بقصة الحيوان الخرافي (شرتات) المشهور في التراث الحساني المحكي، الذي يقال إنه ذات يوم عاد من رحلة صيد خالي الوفاض وكان جائعا فنظر في وجه أمه وقال لها أمي عيناك اليوم تشبهان عيني النعجة، ردت المسكينة وقد فهمت قصده، إياك يا بني أن تكون تريد أكلي فانقض عليها وهو يقول: يا ويلها لقد صاحت.