مجتمع

محمد فال القاضي أكاه: مذكرات عائد موريتاني من جحيم معتقلات البوليساريو (ح:22)

محمد سالم الشافعي/ عبد الكبير اخشيشن الجمعة 23 يونيو 2017
image007
image007

حصار وتجسس لـ«شكامة» قيادة البوليساريو .. ترهيب الاستدعاءات المتقطعة

كادت صدمة هذا الكلام تفقدني التوازن لغرابته، فأفهمنى أن الملف الذي بين يديه يثبت أني أردد هذا الكلام‪،‬ فلم أنكر رغم كوني لا أتذكر أني قلت هذا الكلام إطلاقا، والمفارقة العجيبة أنه كانت ضمن جدولي الزمني حصصا من التربية الإسلامية التي يبدو من هذا الكلام أن الهدف منها مجرد تجميل للمناهج الدراسية لغرض الاستهلاك المحلي في مجتمع متدين بالفطرة.

وفي هذا المجال لا بد من الإشارة إلى أمر أكثر خطورة مما كنت أنا أو غيري نقوله عن الأمور التعبدية، وهو أنه في تلك الفترة كان فعلا العمل بفتوى قصر الصلاة وفطر رمضان هو السائد، بل كان «حماة التنظيم» أو من يعرفون محليا بـ«الشكامة» ينظرون إلى من يخالف تلك الفتوى نظرة شك في «نضاله» وربما اتهموه بكسر أوامر القيادة.

وأكثر من هذا لم يكن يوجد في تلك الفترة على الإطلاق أي مسجد ولا حتى مصلى في كل المخيمات باستثناء واحد في مخيم الداخلة، كان يستخدم لمعارض الصناعة التقليدية، ويقل أن يرى الإنسان صلاة جماعة. صحيح أنه لم يكن يمنع أحد بشكل مباشر من الصلاة و إتمامها ولا من الصيام، ولكن كل الظروف التي لا تساعد على أداء هذه العبادات كانت متوفرة على الأقل في الأماكن التي عملت فيها لمدة 12 سنة.

فلا وقت مخصص للصلاة ولا الأطفال يؤمرون بها لتطبيق ما تعلموه نظريا على الأقل ولا مساعدة لمن قرروا صيام رمضان بإفطار ولا سحور، وهنا أتذكر مرة من المرات أن رمضان تزامن مع عز الحر. وكنا خمسة أشخاص من أصل ما يزيد على ألف شخص أخبرنا الإدارة بأننا سنصوم، فكان الرد أن لا إفطار ولا سحور وإن شئنا جعلنا غداءنا فطورا وعشاءنا سحورا، ولكن من حظنا أن كان فينا المرحوم الشيخ ولد الشيخ اسلامه الذي استطاع بعلاقاته الخاصة أن يوفر لنا كل يوم الفطور والسحور جعل الله ذلك في ميزان حسناته، والباقون ما زالوا لله الحمد على قيد الحياة ويتذكرون هذه الواقعة.

وبالعودة إلى استدعائي الذي اتهمت فيه بتهمة لم أرتكبها ولم أنفها، لا يمكنني تفسير ما حدث إلا بشيء واحد وهو أن المنظرين الذين كانوا على الواجهة أخذوا عن معلمهم وملهمهم أن الدين أفيون الشعوب وكل من يدعو له يشكل خطرا على «الثورة» وبالتالي فإن تهمتي ثقيلة وستثبت الأيام ذلك.

بعد تلك الجلسة غير الودية مع مسؤول الأمن في المدرسة خرجت بعد أن أعطاني مهلة للتفكير لأختار ما بين التعاون معهم والاعتراف بكل شيء أو السجن الذي قال إن بابه مفتوح في انتظاري.

ورغم أن الأمر كان يدعو إلى الفزع وأن سلامتي أصبحت مهددة إلا أنني بدأت ومنذ تلك اللحظة أحاول إقناع نفسي بأنهم سيكتشفون يوما أني بريء بعد أن يحققوا معي ولو في السجن، وكنت أحاول أن أبدو طبيعيا خلال عملي في تلك الفترة ضمن لجنة إعداد المناهج الدراسية بالرغم من أن تركيزي كان مشتتا بين العمل والتفكير في عالم السجن الذي أصبحت مهددا به.

ومع الأيام أصبحت أشعر بأنني محطم نفسيا، ويبدو أن ذلك كان جزءا من الخطة كي أنهار، حيث لم يتم استدعائي مرة ثانية إلا بعد ما يزيد على الشهرين عشت خلالهما أفكر فيما سيؤول إليه مصيري الذي أصبح على كف عفريت، وفي المرة الثانية اتخذ الاستدعاء شكلا جديدا، حيث مر علي المسؤول الأمني وأنا منكب على سحب بعض الكتب وسلمني قصاصة من ورق وأمرني بأن أنفذ ما فيها وسيتصل بي بعد أسبوع.