مجتمع

محمد فال القاضي أكاه: مذكرات عائد موريتاني من جحيم معتقلات البوليساريو (ح:24)

محمد سالم الشافعي/ عبد الكبير اخشيشن الاحد 25 يونيو 2017
MJGHJTYT
MJGHJTYT

لأني رفضت شهادة الزور للإيقاع بأبرياء.. أول جلسة تعذيب ومبيت في حفرة البوليساريو

دخلت «المديرية» كما أخبرني نذير الشؤم ذاك فوجدت في انتظاري مجموعة من الجلادين أعرف منهم: المحجوب إبراهيم عضو المكتب السياسي للجبهة، بالإضافة إلى كل من احمد سلامة والخليفة الكوري بابي، وكانوا متحفزين للانقضاض على فريستهم كالذئاب الجائعة. وبما أن قطيع الذئاب عادة ما يترأسه الأكبر، فقد بادرني المحجوب إبراهيم بلطمة على مؤخرة الرأس قائلا «سمناك لتأكلنا»، ولست أدري من أين جاء بفكرة التسمين ويومها كان البعض لنحافة جسمي يسميني (ا) فقاطعه أحمد سلامة  لأنه «ابن ... حاشا لله ... يقصد أمي»، ورغم خوفي ورهبة الموقف بالنسبة لي فقد ألمني كثيرا ولا يزال يؤلمني ما رموا به أمي، لأنها أطهر وأنقى من أن يقحموها في موضوع هم أدرى بأنه كذب وتلفيق.

بعد جلسة سب وشتم عددوا فيها كل ما تعلموه من سباب وشتائم أيام كان المحجوب إبراهيم راقصا يحيي الأعراس في الطانطان و كوليميم، خيروني بين أمرين، إما أن أتعاون معهم في تلفيق التهم للأبرياء، أو أن يرموا بي في السجن، معقبين بأن روحي بالنسبة لهم مثل روح معزاة، ولا أخفي أنني بعد هذا التهديد الصريح فكرت في العرض الأول لأنجو بروحي، غير أن فظاعة أن أرمي الأبرياء بذنب لم يقترفوه هونت علي قراري بأن أختار العرض الثاني.

أجبتهم بأني لا أستطيع أن أكتب تقارير كاذبة أتهم فيها الناس ظلما، وكان جوابي بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، فانتفض أحمد سلامة من مكانه مزمجرا: «تريد أن تسمم»، وعاجلني بضربة على البطن أسقطتني أرضا، ولم أسترد وعيي إلا وأنا معصوب العينين مكبل اليدين والرجلين، مرميا في مؤخرة سيارة لا أدري في أي اتجاه تتجه.

بعد قليل من استعادتي لوعيي توقفت السيارة وأخرجوني منها وهم يجرونني على بطني حتى أدخلوني مكانا اتضح فيما بعد أنه قبو تحت الأرض مثل القبر تماما، ثم أزالوا القيد من رجلي والعصب عن عيني، وأغلقوا الباب علي، وكان أول ما فكرت فيه بعد أن بقيت وحيدا في تلك الحفرة المظلمة هو هول الليلة الأولى للإنسان في القبر وكيف كانوا يصفونها لنا في المدرسة بأنها إحدى أعظم ليلتين علينا بعد الموت، حتى ذهب بي التفكير إلى حد أنني أحلم، فالفرق بيني وبين الميت هو أن قيوده تفك بعد أن يلحد، وأنا بقيت مكبل اليدين ولكن بطريقة إنسانية تسمح لي باستعمالها مجموعتين في الأمام وليستا وراء ظهري كما كنت خلال نقلي إلى مقري الجديد.

أخذت أتحسس برجلي لأكتشف أثاث منزلي الجديد، ولم يكلفني ذلك كبير عناء، فقد كانت مساحته لا تتعدى المتر في متر ونصف، فعثرت على قطعة بالية مما كان غطاء افترشتها وحاولت عبثا أن أنام، فكنت كلما فكرت بأني أعيش ليلتي الأولى في السجن تذكرت أن ما هو قادم أعظم وأني مقدم على أيام عجاف.

كان يوما استثنائيا بكل المعايير، فقد كان أول يوم في حياتي أجد نفسي في سجن على مقاسي، وليس سجنا كبيرا كالذي وجدنا أنفسنا فيه بعد سنوات من التحاقنا بجبهة البوليساريو.

في صباح ذلك اليوم اكتشفت أن الجلادين كانوا يعتبرونني أخطر مما كنت أتصور، فقد كنت أقبع وراء بابين حديديين حيث إن سجني كان عبارة عن قبو صغير داخل قبو أكبر منه تحت الأرض وكان لكل واحد منهما بابه، وكان ما يشبه النافذة مطل من القبر حيث أنا على مساحة في القبو الكبير، توجد بها طاولة وكراسي، وصناديق سأعرف محتواها عندما تبدأ جلسة «المصاج» في ذلك اليوم.