ثقافة وفن

"غرابيب سود" أو التحول السعودي ضد الإرهاب دراميا

بقلم: المختار لغزيوي الأربعاء 21 يونيو 2017
o-GHARABIB-SOUD-facebook
o-GHARABIB-SOUD-facebook

AHDATH.INFO

حسنا فعلت القناة السعودية التمويل "إم بي سي" هذا الشهر الفضيل، وهي تبرمج واحدا من أضخم الانتاجات الدرامية العربية على امتداد تاريخ رمضان من خلال مسلسل "غرابيب سود" الذي قدم عشرين حلقة من محاولة قراءة واقع التنظيم الدموي المسمى "داعش".

أن تقدم السعودية دون غيرها هاته القراءة عبر تمويل عمل ضخم مثل هذا يفضح الإرهاب والإرهابيين، ويوضح مكامن الخطر في هذا الفكر المتلفع زورا وبهتانا في الإسلام، مع التحفظ على عبارة فكر، لأنه من الصعب فعلا تسمية ما يؤمن به الدواعش فكرا، فهذا الأمر يعني تقدما كبيرا في مسار المعالجة العامة للإرهاب من طرف أهلنا في الخليج

لنعد قليلا إلى الوراء، ولنحك حكايات ربما لم يعشها ولا يعرفها هذا الجيل الجديد: في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عندما كنت تقتني مجلات أو صحفا سعودية، كنت تمضي قرابة الساعتين في قراءة أخبار الجهاد الأفغاني الكاذب، كانت "المجلة" مثلا تحكي لقرائها عن كرامات عبد الله عزام الذي كانت الدبابات الروسية تقتله في اليوم الواحد عشرات المرات، لكنه كان يستفيق، ويقوم من "الموت" ويواصل "الجهاد.

كانت "الشرق الأوسط" أيضا تفتح صفحاتها لحوارات طويلة ولروبرتاجات أطول مع حكمتيار ومع سياف، ومع رباني ومع شاه مسعود، ومع كل من اقتتلوا فيما بينهم من قادة "الجهاد الأفغاني" بعد خروج الاتحاد السوفييتي من المستنقع الأفغاني وتركه لأمريكا غارقا في كثير من الأفيون ومن القراءات المتعسفة للدين.

حينها كان يقال لعدد كبير من الشبان العرب والمسلمين، "حي على الجهاد"، و"الدين يناديكم"، وكانت الأموال تنزل ببذخ واضح على كل من يقبل بأن يموت في أرض بعيدة عنه فداء لحرب لا ناقة له فيها ولا جمل ولا بعير، ولا حتى مايخرج عن البعير ويشربه بعض الجهلة استشفاءا. وكان بعض قاصري العقول يصدقون مايقال لهم، وكانوا يهاجرون إلى أرض "الجهاد" الكاذب، تماما مثلما يصدق جيل جديد من قاصري العقول الأسطورة الداعشية اليوم، ويتركون ما أمامهم وماخلفهم، والعائلات وكل شيء ويذهبون لكي يموتوا ميتة الكلاب في بلدان لا علاقة لهم بها إطلاقا سوى السماع عنها وعن أخبارها عن بعد.

اليوم دارت دورة هذا التطرف المقيت، والدول التي كانت تعتقد أنها تحقق توازن قواها بمساندته، وتمويله والترويج له إعلاميا فهمت المقلب جيدا، واستوعبت أنها ربت وحشا فعليا بين ظهرانيها حين سينتهي من مهمته الأولى التي كلف بها سينتقل إلى المهمة الثانية التي كلف نفسه بها وهي القضاء على خالقه، أي على من أطلقه على الناس ورباه وموله وأعطاه كل فرص الوصول إلى قاصري العقول في الوطن العربي الممتد تابوتا من مائه إلى مائه، ثم اليوم في بقية أنحاء العالم.

لذلك يبدو مسلسل "غرابيب سود" الرمضاني لهاته السنة أكثر من عمل درامي تلفزيوني عابر، وهو إذ ينضاف لنبرة الصوت التي أصبحت السعودية تعليها على لسان خادم الحرمين الشرفين، وأيضا على لسان ولي العهد محمد، وبقية القادة الجدد في المملكة، يبدو فعلا توجها جديدا للقضاء على الإرهاب من البلد الأول الذي يستطيع أن يعادي هذا الإرهاب باسم الدين، بلد الحرمين، وبلد مكة المكرمة والمدينة المنورة، أي البلد الذي نزل فيه هذا الدين الحنيف الذي تعرض منذ خلق التنظيم السري الأول لإخوان المسلمين إلى أبشع عملية سطو على ديانة عرفتها البشرية منذ أن اكتشفت الدين وسيلة لعبادة الله.

مصيبتنا في ديننا التي انطلقت ذات قراءة شرقية متزمتة للإسلام لاعتبارات مادية وسياسية لا علاقة لها بالدين، لن تنتهي إلا إذا قامت هاته القراءة الشرقية نفسها بمعالجة نفسها وإعادة القراءة من جديد والتخلص من كل الشوائب التي ألصقتها بالدين، واستيعاب وتمثل آية الرحمان الرحيم فيه إذ اعتبر رسوله عليه الصلاة والسلام "رحمة للعالمين" كل العالمين ولم يعتبر الدين يوما نقمة أرسلت إلى الناس لكي تنغص عليهم عيشهم، ولكي تقتلهم وتنتحر وهي تصيح بكل غباء "الله أكبر".

لعل مايقع في المنطقة هناك يمنحنا قليل الأمل أن المعركة ضد التطرف الديني لم تنته بعد، وأننا ربما رابحوها إذا ماتسلحنا لها بصادق العزم والعزيمة أن يجب الانتهاء من هذا الوحش الذي ربيناه بين أضلعنا إلى أن أصبح على ماهو عليه اليوم

ماذا وإلا هذا الوحش سيقضي علينا، وهذه معادلة لا ثالث اختيار فيها على الإطلاق