الكتاب

تهنئة لا تشبه مثيلاتها: عيد للكذبة، وعيد حقيقي للصادقين !!

المختار لغزيوي السبت 24 يونيو 2017
787730938
787730938

AHDATH.INFO

في القلب شيء ما غير قادر على الفرج، على الفرح، على انتشاءة العيد العابرة.

في الروح، داخلها أقصد، غصة لازمت الوطن كله منذ بداية الشهر الفضيل، ولم ترغب في المغادرة حتى مع انتهاء خير شهور السنة.

كاذب من سيقول لنا إن الأشياء عادية، وأن الأمور على مايرام، وأن مايقع في الحسيمة منذ شهر أكتوبر كان ضروري الوقوع، وكفى.

كاذب ذلك السياسي الذي وجدها فرصة للمزايدة. كاذب ذلك الدعي الذي يكتب الشعار في الأنترنيت بعد أن يصل ثمالته البطنية، ثم يخرج لاحتساء قهوته دون أدنى إشكال، وهضم طعام الإفطار في انتظار غزوة اليوم الموالي على الشبكات..

كاذب ذلك الذي يعتقد أنه بالاختفاء والشماتة فينا جميعا، وتركنا نواجه مايقع قد حل الإشكال. كاذب ذلك الذي تذكر كل حساباته العالقة فقرر تصفيتها على ظهر الوطن، وليكن مايكون. كاذب ذلك الذي يسير في مظاهرات القتيل، ثم يضع خطط الليل لمواصلة قتله، ويبكي مع الجموع وهو يبتسم داخليا أن استطاع تقريبا خداع الكل أو الجل أو الأغلبية  أو ماشئتم من نسب التعرف على المتجمهرين.

كاذب ذلك الذي خون الجميع واعتبر نفسه الوطني الوحيد فينا.

وكاذب ذلك الذي مخزن الجميع واعتبر نفسه المناضل الوحيد فينا.

كاذب من باع نسخا إضافية اعتمادا على ركوب ما أسماه دعي المهنة "الحراك". وكاذب من خرج يصدح في العاصمة بالأغاني ركوبا أيضا على نفس "الحراك" واكتفى بالغناء، وفرك يد الجماعة احتفالا بما لن يأتي من الأوهام.

كاذب من ضرب الأمن بالحجر وقال أنا أناضل لأجل الوطن. وكاذب من اعتدى على مواطن بصفعة وقال أنا أحمي الوطن.

كاذب من يكذب باسم الوطن على الوطن...

كاذب من كتب مقالا واحدا واعتبر أنه قام بالواجب وزيادة. وكاذب من اكتفى بتدوينة عبر الفيسبوك، ووصف نفسه بالفاتح لكل الأبواب المغلقة.

كاذب من مزق جواز سفره لأنه يتوفر على جواز آخر بديل يكفيه شر البقاء قسرا في مكان واحد طيلة الحياة.

وكاذب من قرر لنا تغيير العلم، واستسهل الأمر وقال لنبدله ولنر ما الذي يمكن أن يقع.

كاذب من اعتلى منصات الحديث الخادعة هاته الأيام وقال لكل طرف مايحب سماعه وكفى.

وكاذب من تلفع في صمت الجبناء، وانتظر مرور العاصفة، وهو يدعو "اللهم حوالينا لا علينا".

كاذب من اعتبر الحكاية كلها تسلية عبر الأنترنيت بدأت وستمر وستنتهي.

وكاذب من اعتبرها ثورة بلد بأكمله ضد عديد الأشياء، لأنه لا أحد يملك حق تقرير هذا الأمر عوضا عن البلد.

كاذب من يعتبر الشعب ملكا له يتحدث باسمه دون حسيب أو رقيب، وكاذب من يقول لنا إنه وحده يفهم كل شيء وغدا أو بعد غد سيحدد لنا المسار كله وستنتهي كل الأشياء..

كاذب الحزبي الغارق في فساده الذي لا يكتشف هذا الفساد إلا إذا كان خارج كل الأشياء.

وكاذب الحزبي الآخر الذي يرى ألا حل لنا إلا من خلاله هو وحزبه وإلا فإن الطوفان ينتظرنا جميعا. كاذب ذلك الرافض لكل الانتخابات والذي يكتفي بانتقاد نتائجها دون أن يشارك فيها ودون أن يقترح أي بديل غير عدميته المغرقة في السواد.

وكاذب ذلك الطبال الذي يقنعنا أن هذا المشهد الحزبي هو أفضل الموجود وألا أمل لنا خارج هذا السرب من المتعثرين.

كاذب ذلك الذي يتصور نفسه فهم المغرب جيدا الفهم  الذي لم يسبقه إليه أحد.

وكاذب ذلك الذي يستعصي عليه سماع صوت الناس إذ تئن تحت وطأة كثير الإيلام، وإذ تقول لنا جميعا "على الأقل خففوا الوطأ فمانظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد".

كاذب من يستطيع شرح الحكاية كلها في بضعة أسطر ويمضي.

وكاذب من سيقول إنه فك شيفرتها ويعرفها "باش مسقية"، لذلك هو في عميق الإطمئنان.

كاذبون كثر بيننا، ونحن معهم من الكاذبين…

الشيء المفقود اليوم في البلد بعض من صدق مع النفس، قليل من وضوح مع الآخرين، توقف عن المزايدات والمزايدات المضادة، ثم قدرة ولو صغيرة على الاستماع لبعضنا البعض، على الإنصات لما نقوله، لا تصيد مكامن الهفوات والأخطاء لكي نرد على بعضنا البعض، لكي نفحم بعضنا البعض، لكي نخرس بعضنا البعض، وفي الختام لكي نخرس جميعا ولا نستريح

ثمة إشكال كبير لم يبدأ اليوم فقط إسمه : عدم قدرتنا على الحوار.

سببه؟ قلة تربية من النوع الذي أدمن فينا السكون، وعدم قيام الأسرة والمدرسة بدوريهما لتربية أناس متحضرين يتكلمون مع بعضهم البعض، يتواصلون مع بعضهم البعض، ولا يكتفون بشتم بعضهم البعض ثم الاختفاء غاضبين.

الحكاية لم تبدأ في هذا الشهر الفضيل الذي نودع ساعاته الأخيرة، ولم تبدأ يوم مات محسن فكري في آلة لطحن الأزبال، ولم تبدأ يوم أقسم ابن كيران أنه وحده "مضوي البلاد" ولا يوم قيل له "إجمع متاعك وإمض"، ولم تبدأ مع كل مشاكلنا الحالية، أو القديمة قليلا، أو القديمة حد العتاقة.

الحكاية بدأت مع البدء، ومن خيمة هذا الرفض لمحادثة بعضنا خرجنا جميعا مائلين، منذ السقيفة وربما قبلها. توارثنا بكل اقتناع بليد معارك عديدة لا تعني لنا شيئا، وواصلنا المشوار بها معتقدين أننا نحافظ على إرث السلف الصالح، غير مقدرين أننا فقط نكتب أسماءنا واحدا بعد الآخر، في لائحة عار هذا الخلف الطالح، طارحين السؤال على من سيأتون بعدنا: تراكم تنجحون في تجنب ماسقط غباؤنا فيه بكل غباء عنيد؟

تراكم فعلا - أيها الوافدون الجدد - تستطعيون؟

جواب هذا السؤال هو التهنئة الحقيقة للعيد الحقيقي .

ماعداه أضغاث أحلام تضربنا يوميا وتحيل واقعنا جميعا إلى كوابيس..

فقط لاغير وليس إلا، دونما حاجة للإطالة في المزيد من الكلام.