مجتمع

محمد فال القاضي أكاه: مذكرات عائد موريتاني من جحيم معتقلات البوليساريو (ح:29)

محمد سالم الشافعي/ عبد الكبير اخشيشن الجمعة 30 يونيو 2017
القاضي فال داخل أروقة الأمم المتحدة بجنيف لفضح بوليساريو
القاضي فال داخل أروقة الأمم المتحدة بجنيف لفضح بوليساريو

حين جعلوا تلميذي محققا في مسرحية اتهامي بمحاولة تدمير الثورة.. الوجه البشع لثوار الرابوني

قد يكون عاديا أن يدخل المرء السجن لجرم ارتكبه وكان قد أعد العدة لذلك الدخول لعلمه - أو دون علم - بأن جرمه سيجره يوما إلى ذلك الموقف الذي لا يعرف قساوته إلا من جربه. وقد يكون عاديا أيضا أن يدخل بريء سجون البوليساريو لا لذنب اقترفه سوى أنه في «الثورة» لم تبنى السجون إلا لتمتلئ وكأنها جهنم في يوم طويل مقداره خمسين ألف سنة، لم يعد لها الجلادون إلا أوزارهم وأوزار المظلومين، وأحمد الله على أن من عذبوني وعذبوا إخواني سمعت منهم كفرا بواحا ستشهد به عليهم ألسنتهم غدا بين يدي الخالق إلا أن يتجاوز عنهم.

ومن البديه - لمن خبر فقط - أن الجلاد يدخل على الضحية وكأنه «عزرائيل» جاء قبل الأجل بساعة ويستطيع تأخيره بساعة فالحياة رهن إرادته ينهيها متى شاء، أو كأنه «منكر ونكير» يحملان سيلا من الأسئلة وقد أسقطا منها ما كان الضحية يعد لجوابه منذ بلوغه.

كل ذلك يمكن «ابتلاعه» خاصة إذا كان في الزمان والمكان الخطأ، لكن كأس المهانة الذي لا أعتقد أن أحدا يمكنه تجرعه أن يجلس من كنت بالأمس أجتهد أن أزرع في نفسه - وهو مراهق - حب العلم وقيم «الثورة» ليستنطقني وهو جالس على كرسي، الجلاد بعد أن كان يجلس في الفصل يأخذ عني أيام كنت مدرسا اسمي محمد فال لا سجينا اسمي الموقوف.

بعد أسبوع من تهديد ذلك الزبانية (أحمد سلامة) لي بعدم الرحمة، دخل علي «عوج بن عنق» المسمى (ونه ولد ابليله) ليقوم باللازم كالمعتاد من تكبيل للأيادي وعصب للأعين يتخلله الركل والشتم والبصق على الوجه، وبعد أن أكمل عمله الذي كان يطفئ فيه غله على إنسان ربما لا يعرف حتى لماذا جاؤوا به، فكان يجتهد في شد الوثاق على يدي حتى لم أعد أشعر بهما لتوقف الدم عن الجريان في أصابعي، أمرني بأن أبقى واقفا ثم خرج.

بعد ساعة فتح الباب وسمعت صوت المجرم (أحمد سلامة) وهو يأمر أحدا بأن ينزع العصابة عن عيني، وبالرغم من أني لم أعد أبالي كثيرا بما يصدر عن هؤلاء من إهانات نفسية، فقد كانت صدمتي قوية لما رأيت. فقد كان أحد تلاميذي السابقين، وكان عزيزا علي جاؤوا به ليستنطقني، كانت آخر مرة رأيته فيها قبل سنة تقريبا من ذلك التاريخ منذ أن غادر المدرسة، وكنت أظن أنه منح لمتابعة دراسته في إحدى الدول. وفي ذلك اللقاء تهرب من الإجابة على سؤالي: أين يدرس ؟ وجاء اليوم الذي عرفت فيه سبب تهربه، فقد ضموه وهو في تلك السن إلى «إدارة الأمن» ليتعلم كيف يهين الأبرياء بدل أن يوجهوه إلى الطب مثلا، فقد كان ممتازا في المواد العلمية.

وجه ذلك اللعين كلامه لي قائلا: سأعطيك فرصة أخرى مع تلميذك لنرى إن كنت تخجل، فهو من الجيل الذي كنت تريد تدمير مستقبله أنت و«أصحابك»، وعليك أن تشرح له كيف كنتم تخططون لتدمير «الثورة» من الداخل، وإن اعترفت له بما يريد سنفرج عنك وإلا فلن نرحمك كما قلت لك في السابق لأن «حكم الشعب» قد صدر ضدك أنت وأمثالك، ثم أمرني بالجلوس على كرسي مقابل «المحقق التلميذ»، وأشار إليه بأن يبدأ معي وخرج.  بدأ «المحقق التلميذ» في تدوين الأسئلة والأجوبة ومن دواعي السخرية أنه سألني عن اسمي وعملي ثم انتظر مني الجواب، لكن الأكثر سخرية والأكثر إيلاما هو عبارة «يقول الموقوف ..»، التي كانت تسبق كل جواب من أجوبتي على ما افترضوا أنها تهم إدانتي، ولم تكن سوى مسرحية ركيكة وسيئة الإخراج وأكثر سوء من أخرجها.