ثقافة وفن

شباط وابن كيران .. كلفة نهايات «مأوساوية»

يونس دافقير الأربعاء 12 يوليو 2017
cdfc13fccffa258a7f0b99e7548a3c
cdfc13fccffa258a7f0b99e7548a3c

AHDATH.INFO

بغض النظر عن سجال الحثيثيات القانونية وكواليس الصراع العنيف داخل البيت الاستقلالي، كان المشهد مؤلما جدا أمام مقر الاتحاد العام للشغالين بالمغرب.

مناضلون حزبيون وآخرن نقابيون يجمعهم الانتماء الاستقلالي أوصلوا خلافهم إلى حالة العجز عن تدبيره ذاتيا، وبعدما صالوا وجالوا في المحاكم كأي متخاصمين حول إرث عائلي، وجدوا أنفسهم أمام قوات أمنية تتدخل لفض النزاع بأوامر قضائية.

كان مشهدا محزنا أن يصل حزب الاستقلال، بكل تاريخه العريق والحاجة الوطنية الملحة إليه، إلى ذاك المشهد الذي كان بطله هو حميد شباط، أمين عام يبهدل نفسه وهيبة مؤسسات حزبية دستورية في تحد غير مستساغ للقضاء وقوات الأمن، وصراخ وعويل في صراع بين إخوة صاروا أعداء كما لو أن الأمر يتعلق باقتسام كعكة وليس تدبير خلاف حزبي داخلي.

وقد يكون حميد شباط، الذي دخل في مواجهة مفتوحة مع الدولة منذ أشهر عديدة، خرج من ذاك المشهد وقد حقق بعضا مما يطربه: أن يظهر بصورة المناضل المواجه لـ«المخزن»، وأن يرفع أسهمه في الطريق إلى مؤتمر يعتبره مسألة حياة أو موت، لكن الأكيد أن حزب الاستقلال وحده خرج خاسرا من تلك اللحظة السوريالية.

ولم يكن حال الاستقلال أفضل منذ انتخابات سابع أكتوبر: فقد بوصلته السياسية، واستنفد طاقاته في حروبه الداخلية، ولا أحد يعرف هل هو في المعارضة أم في الأغلبية الحكومية، لجنته التنفيذية منقسمة على نفسها، ومركزيته النقابية فقدت قدراتها على التأطير ومن انتخابات إلى أخرى يتآكل رصيده الجماهيري، وما كان ينقص هذه الصورة سوى تلك المشاهد التي صنعها شباط ذاك اليوم البئيس.

وليس مفيدا لأحد أن ينهار حزب الاستقلال أو أن يصير مجرد «دكان سياسي»، تماما كما هو الأمر بالنسبة لحزب العدالة والتنمية.

ومن طرافة الصدف أن حميد شباط وعبد الإله بن كيران الذين كانا غريمين لدودين قبل أن يتحولا إلى حليفين وفيين لبعضهما البعض، يحتلان معا صدارة المشهد الحزبي من بوابة النهايات «المأوساوية».

وكما هو حال حميد شباط، يستنزف ابن كيران قدرات حزبه، ومنذ أشهر لم نعد نعرف كم في الحزب من قيادة وصاحب قرار، وما الذي يحدث بين «الإخوة» حتى انهاروا بذاك الشكل الذي يبعث على الشفقة.

وابن كيران الذي يعرف أنه استنفد ولاياته القانونية في الأمانة العامة، يخرج من مقبعه الذي دخله منذ إعفائه من تشكيل الحكومة، والظاهر أن في صدارة جدول أعماله رغبة العودة بقوة إلى قيادة الحزب ولو تطلب ذلك تعديل القوانين وتأجيج الخلاف والصراع بين مكونات الحزب.

شباط قال يوما إنه سينسحب إذا لم يحتل الرتبة الأولى، وابن كيران سبق له وأن صرح بأنه يشعر بأنه بلغ نهاية مساره، لكن الرجلان معا يعودان إلى التمسك بالواجهة ولو على حساب مصلحة الحزب، وهي على كل حال قاعدة ذهبية في النخبة الحزبية المغربية: الخروج من الأضواء مؤلم ومقاومته ضرورية ولو بمنطق «علي وعلى أعدائي».

ومرة أخرى سيكون المغرب هو الخاسر. لماذا؟

في أحداث الريف تنتصب خلاصة أساسية: الأحزاب وصلت درجة قصوى في العجز عن التأطير والقيام بمهام الوساطة، وبسبب هشاشة الفاعل الحزبي وسياقات اشتغاله السياسية أصاب العجز الحكومة أيضا، وكلما تلاشت هذه الآليات الدستورية، ينفلت الشارع، وتصبح مشتركاتنا الوطنية في ورطة التدبير اليومي لأزمات هي من اختصاص مؤسسات أخرى.

وما حدث أمام نقابة الاستقلال ويحدث داخل حزب العدالة والتنمية يزيد من عناصر الإضعاف، ومن تكريس الصورة المهتزة للوساطات الحزبية. وحتى وإن كان هناك تقييم آخر لسبب تراجع الأحزاب، فعلى الأقل كان ضروريا أن تسحب هي نفسها نصيبها من هذه الأزمة.

فعلا هناك من يعيش نهايات «مأساوية» سياسيا، لكن هؤلاء ربما لا يريدون الموت وحدهم، يريدون أن يحملوا معهم أحزابهم إلى مقابر السياسة، وتلك قمة الأنانية المغلفة بشعارات «النضال من أجل الديمقراطية واستقلالية القرار الحزبي».