ثقافة وفن

إعلام البذاءة

أسامة خيي الاحد 02 نوفمبر 2014
إعلام البذاءة
0000

في العصر الحالي الذي أوصلنا إليه تطور التاريخ البشري، والمسمى "عصر مجتمع المعرفة"،  يبرز الإعلام الإلكتروني في واجهة وسائل التواصل الحديثة، من خلال السرعة في نشر المعلومة، والسهولة في تداول الخبر، بحيث أضحت التقنيات الإلكترونية البسيطة تتيح للجميع إمكانية الكتابة والنسخ واللصق والتحميل، وأضحى بإمكان كل من يتوفر على حاسوب أو هاتف ذكي أو لوحة إلكترونية أن يساهم في إنتاج الأخبار من خلال صور وأشرطة ومقالات، وأن يتحول إلى فاعل إعلامي مؤثر في المجتمع، ضمن صنف من الممارسة الإعلامية  الحديثة التي يسميها بعض الباحثين باسم "الإعلام المُواطِن".

وإذا كان من الممكن للإعلام الإلكتروني أن يؤدي مهمة نبيلة ويقدم للمواطن خدمة ذات قيمة نوعية هامة تساهم في الارتقاء بمستوى وعيه وإلمامه بقضايا الحياة على كل المستويات، من خلال معلومات صحيحة وأخبار دقيقة ومقالات ناضجة ورصينة، فإنه يمكن أيضا أن يؤثر سلباً على الوعي الاجتماعي من خلال أساليب الفبركة وطرق التزييف والتلفيق والكذب التي قد يلجأ إليها.

وبما أننا في المغرب ما زلنا لا نتوفر بعد على قانون إعلام إلكتروني يمكن أن يحمي المجتمع من التجاوزات الكثيرة التي تحدث يوميا في الكثير من المواقع بسبب الجهل بمقومات وأسس وأهداف وأخلاقيات مهنة الإعلام، فإن بعض الناشرين الإلكترونيين يعتقدون أن كتابة عبارة "الآراء الواردة في التعليقات تعبّر عن رأي أصحابها وليس عن رأي الموقع" كافية لتجنيب هذه المواقع تحمّل مسؤولية هذه التجاوزات، وهو اعتقاد خاطئ ولا يمكن أن يقبله العقل.

فعندما يطّلع المرء على ما يكتب المعلقون في عدد كبير من المواقع لا يجد آراء. بل يجد في معظم الأحيان سبّا وشتما وقذفا، أو اتهامات بدون حجة، أو نعوتاً جارحة، أو كذبا وبهتاناً. فالرأي هو ما يُبنى على معلومات صحيحة ودقيقة، وهو ما يُساهم في تعميق الوعي بالخبر. ومن الممكن أن يتم اللجوء في الرأي إلى السخرية أو إلى الانتقاد أو إلى الشجب والتنديد. لكن الرأي لا ينبغي أن ينطوي في أي حال من الأحوال على تجريح أو كلام ساقط وبذيء ومهين للكرامة.

الموقع الإلكتروني هو الآخر يتحمل مسؤولية التعليقات التي تتجاوز حدود أخلاقيات مهنة الإعلام، لأن هذه التعليقات أضحت جزء من هذا الإعلام التفاعلي الجديد الذي أصبح يؤثر على العقل والوجدان وعلى الحياة العامة والحياة الخاصة. فلو لم ينشر الموقع الإلكتروني تعليقات يسيء أصحابها فيها لأشخاص ما، لما حدث أي ضرر معنوي ونفسي لأولئك الأشخاص، وكان من المفروض أن يتم حذف تلك التعليقات المسيئة انضباطا لقواعد مهنة الإعلام التي تنص كل المواثيق والضوابط المتعلقة بأخلاقياتها، في الدول التي بوجد فيها آدميون متحضرون، على عدم المس بكرامة الأشخاص وعدم الإساءة إليهم بكلمات السب، وبالقذف والتشهير .وهذه أمور أوّلية وابتدائية ينبغي على الناشر الإلكتروني أن يعي بها وأن يتهيّأ لقبولها في قانون النشر الإلكتروني الذي ننتظر صدوره. لأن المجتمعات التي يعبر فيها الأفراد عن آرائهم المعارضة وغير المتفقة مع سلوكيات ومواقف وآراء وتصرفات تبدر عن أشخاص آخرين، بواسطة كلام بذيء ومسيء، هي مجتمعات مهيأة لأن تكون عرضة لكل أشكال البذاءة والإساءة.

Capture-d’écran-2014-09-29-à-09.42.13

بقلم: أحمد الدافري