السياسة

طلحة جبريل يكتب: عبد الكريم غلاب

طلحة جبريل السبت 19 أغسطس 2017
٧٧-765x510
٧٧-765x510

AHDTH.INFO

سارت نخبة سياسية وإعلامية وأدبية خلف نعش سي عبدالكريم غلاب إلى مثواه الأخير في "مقبرة الشهداء" بالرباط. لم تكن هناك حشود خلال نهار الثلاثاء ، سجي الجثمان  ليس بعيداً عن "محمد العربي المساري " و " عبدالجبار السحيمي".

ثلاثة اسماء وازنة كبيرة ، توفرت لهم ندرة في السجايا وحضرة في باحات وساحات الكلمة ، وهالة في الخصال،  ووقرة في الشخصية. كانوا فعلا ندرة و حضرة وهالة و وقرة.

كنت من الذين ساعدهم الحظ في العمل مع هذا الثلاثي الشامخ.

كان عبدالكريم غلاب مديراً يدير " العلم " بصرامة تصل حد التشدد، ويدافع دفاعاً مستميتاً عن تخوم صحافة الرأي، لا يتهاون عندما يتعلق الأمر باللغة ، لم يكن سهلاً قط في هذا الجانب، لا يتساهل ولا يتسامح مع الركاكة ، له قدرة لا تضاهى على إلتقاط الأخطاء ، مواظباً حريصاً دقيقاً في عمله ومواعيده. يدير الصحيفة بمنطق ترشيد للنفقات يصل حد التقتير ، حتى عندما كان يوقع مقالاته كان مقتراً في اسمه يكتب بتواضع "ع. غلاب" .

لم يوظف موقعه قط لتحقيق فائدة أو الحصول على مزايا.

تعلمنا منه الصرامة، والجدية ، واحترام مواعيد العمل ، وأهمية "الكتابة".

تعلمنا منه تقديس اللغة والإنضباط لقواعدها ، والبحث عن جزالة اللفظ، ووضوح المعنى.

تعلمنا منه أن الصحافي يبقي قوياً عندما يكون نزيهاً، يجاهر برأيه حتى لو تعرض لحملات جامحة .

ظل عبد الكريم غلاب يعتقد أن الصحافة في أي بلد هي جزء لا يتجزأ من حياته السياسية ، وأن الصحف لا تصدر تعبيراً عن آراء  ورغبات محرريها، وإنما تصدر لتعبر عن آراء وقوى وتيارات اجتماعية.

كان يعتقد أن  حرية الصحافة ليس قوانيناً و تصريحات وأقوال ، بل هي عندما  تصبح الصحيفة قادرة على حماية حقها في التعبير وبدون رقابة.

كان كاتباً يمارس "الصحافة " باعتبارها " نضالاً"  ولم يعمد يوماً إلى تزوير ذلك.

كتب عدداً من الروايات والقصص، ومن خلالها كتب الكثير من التاريخ .

كان مثقفاً وسط الصحافيين ، صحافياً وسط المثقفين.

جعل من كلمات  إفتتاحية "العلم "  وعمود " مع الشعب"  رشاشات و مدافع و مصفحات ومدرعات يخوض بهما المعارك السياسية.

جعل من "العلم  رمزاً لقوة الصحافة وسط معمعة ما كان يعرف بإسم "المسلسل  الديمقراطي ".

عقد عزمه ألا يصير نجماً بل صانعاً للنجوم، لكن انتهى  به الأمر في نهاية المطاف  أن يصبح أيقونة الصحافة الوطنية. كان يبحث عن القارئ الذي يقرأ على مهل و بتأن ، يجتهد في أن يحلل  له في صبر، يوثق له في دقة ، وينتقد له في منطق.

كان يغلق بابه ويمنع أياً كان من إضاعة وقته أو وقت الصحيفة.

كان عبدالكريم غلاب  عزفاً منفرداً على الأدب والصحافة، نثره أرفع من لغة الشعر، عاش في قلب الصحافة  وطياتها و حبرها ورقها.

عاش يكتب حتى تعبت منه الكتابة .

رحم الله عبدالكريم غلاب.