مجتمع

محمد فال القاضي أكاه: مذكرات عائد موريتاني من جحيم معتقلات البوليساريو (ح:47)

محمد سالم الشافعي/ عبد الكبير اخشيشن الاحد 20 أغسطس 2017
خلف هذه الخيام كانت المؤامرات ضدنا
خلف هذه الخيام كانت المؤامرات ضدنا

لعبة الاعتراف الموريتاني بالبوليساريو ومعاناة المختطفين.. محمد ولد خطري (عذبت لقرابتي مع الرئيس)

ولا شك أن هذا السؤال يذكر ضحايا البوليساريو من المدنيين الموريتانيين بالحملة الدعائية، التي شنها المسؤولون السياسيون لهذه الأخيرة داخل المخيمات على موريتانيا، بعد اعترافها بالجمهورية الصحراوية، قصد الإيحاء بأن هذا الاعتراف جاء للتغطية على عمل «الجواسيس»، الذين أوفدتهم لتخريب البوليساريو من الداخل، في وقت كان البعض داخل المخيمات يتعمد «التشفي» في الموريتانيين بلغة ساخرة: «نحن نحكمكم هنا ونحكمكم في موريتانيا في إشارة إلى رئيس موريتاني سابق يرى الضحايا أنه شارك في محنتهم بطرق متعددة».‪ ‬

يتابع سيدنا فيقول: لم تكن مأساتي لتنتهي بالسجن وويلاته طيلة تلك الفترة، بل إن أسوأ فصولها بدأت عندما عدت إلى وطني، فبعد عمليات الاستنطاق التي تعرضت لها على يد من يفترض أن يكونوا أرفق بي من الغير، فوجئت بأني قد فصلت دون حقوق من العمل وأنا في سجن البوليساريو، وكان رد الشركة عندما طالبت برواتبي طيلة فترة اختطافي هو أنني مختل عقليا، لأني أطالب بحق ليس لي، وقد فشلت كل محاولاتي لنيل هذا الحق حتى اليوم.

محمد ولد خطري (عذبت لقرابتي مع الرئيس).

حين يلتقي الإنسان به وهو لا يعرف قصته قد يغتر ببشاشته وطلاقة وجهه والمعنويات الحديدية التي يتمتع بها، لكنه في حقيقة أمره ليس سوى ميت يمشي بين الأحياء، وقد بدأت قصة هذا الميت الحي عندما ساقته الأقدار مثل مئات الشباب الموريتانيين إلى الالتحاق بصفوف البوليساريو في نهاية السبعينيات ليجد نفسه مثل الكل بعد سنوات في مقبرة الرشيد على أرض «لحمادة» جنوب الجزائر، وتحت رحمة وحوش بشرية لا يربطها بالآدمية سوى الأسماء من أمثال عمر الحضرمي، محمد سالم السنوسي (سلازار)، أمبارك خون، عبد الرحمن ولد بوه (ميتشل)، أحمد سلامه ابريك، أغولي احمد إبراهيم، والقائمة طويلة طول قائمة الحيوانات المتوحشة في الغابة.

كانت تهمتي يقول محمد خطري – مثل كل المتطوعين الموريتانيين – هي العمالة لموريتانيا وفرنسا، والمفارقة العجيبة أنهم اعتقلوني من جبهات القتال وأنا أصوب بندقيتي نحو الجنود المغاربة الذين كنت أحسبهم أعدائي، بينما ظهر أن أعدائي الحقيقيين هم أولئك الجلادون والقتلة الذين تركتهم ورائي متمترسين خلف النساء والأطفال والعجزة، وحين اعتقلوني حولوا جسدي إلى سبورة بشرية يتعلمون عليها الكتابة بالنار وكانوا يقولون إنهم لن يتركوني حيا للقرابة التي تربطني بالرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد داداه.

وقصة محمد ولد خطري من أشهر القصص المأساوية التي تم تداولها على نطاق واسع داخل المخيمات، فأصبحت حديث الساعة لبشاعتها، حيث إنه بعد خروج الباقين على قيد الحياة من معتقل الرشيد انتشر خبر شاب يحمل على كامل جسده تقريبا كتابة بالنار هي عبارة عن حرفين لاتينيين هما (أف.بي) اللذان يرمزان لاختصار كلمة جبهة البوليساريو باللاتينية وتحولت قضيته إلى قضية رأي عام استاء منها الجميع، فكان رد القيادة أن أعادته إلى المعتقل تمهيدا لتصفيته وينقل هو نفسه عن الشخص الذي رق لحاله وأنقذه من القتل أن الأوامر أتتهم لتصفيته فاجتمعوا لتقرير الطريقة التي سيصفونه بها فطلب منهم هذا الشخص أن يعطوه مهلة لإخفاء تلك الكتابة، وعندما وافقوا على طلبه بدأ، وبشكل يومي، يطحن كمية من الثوم ويضعها على أماكن الكتابة وبعد فترة اختلطت تلك الحروف مع بعضها وأصبحت كأنها ندب كبيرة تغطي جسد المسكين الذي روى بأن تلك العملية كانت مؤلمة بسبب الحروق التي أحدثها الثوم، ومع ذلك كانت تستحق التحمل لأنها أنقذتني من موت محقق وإن كنت أعتقد أن تلك الوصفة لم تكن وحدها العامل في نجاتي من براثين القتلة المتوحشين، إنما كانت هناك سيدة فاضلة تعرفني وكانت زوجة لقيادي سابق في البوليساريو تربطني به علاقة قرابة عندما علمت بعودتي إلى المعتقل تحركت في الموضوع وحصلت على تعهد بعدم المساس بحياتي.