مجتمع

محمد فال القاضي أكاه: مذكرات عائد موريتاني من جحيم معتقلات البوليساريو (ح:55)

محمد سالم الشافعي/ عبد الكبير اخشيشن الثلاثاء 29 أغسطس 2017
معتقل العار المسمى الرشيد
معتقل العار المسمى الرشيد

حقيقة الشعب الذي تسوق له الجزائر.. كيف سقط ضحايا صحراويون في مخيمات العار

لقد كان من التداعيات الإيجابية لأحداث 1988، التي عرفتها مخيمات تيندوف وما تلاها من سياسة ترقيعية لاحتواء الوضع المتفجر، أن تكشف الكثير من الفظائع التي كانت ترتكبها قيادة البوليساريو منذ نشأتها، والتي اتهمت فيها القيادة بأنها كانت تتم على أساس قبلي، حيث تم على مرحلتين استهداف مكونين قبليين قصد إبعاد كوادرهما عن الواجهة والمراكز القيادية لصنع القرار.

وحسب أصحاب هذا الطرح، الذي لا تخطئه عين المتابع، فإن سياسة التنكيل والإقصاء تلك كانت من العوامل الأساسية التي أدت إلى ما سمي بانتفاضة 1988، التي كانت بداية لترهل الجسم الذي بنته تلك القيادة بقبضة حديدية على أشلاء الضحايا، وأدى إلى فقدان الثقة فيها وخفوت شعلة الحماس التي كانت متقدة لدى الجميع، مما أدى إلى هجرة معاكسة من المخيمات إلى مختلف بقاع الأرض.

ولم تقتصر تلك الهجرة على الأطر المتوسطة والعائلات، بل شملت كذلك قادة بارزين من الجيل المؤسس ومن الصف الأول والثاني، واستمر النزيف إلى أن أصبح هناك طرح في أوساط الصحراويين أنفسهم بأن الغالبية العظمى الباقية في المخيمات ليست من سكان المنطقة المعنيين بالصراع، إنما هم بالأساس من قبائل الجنوب الجزائري التي لها امتدادات وصلات قرابة مع بعض القبائل الصحراوية، بالإضافة إلى أقليات من الشمال الموريتاني ومن إقليم أزواد شمال مالي.

وتماشيا مع سياسة الإقصاء تلك، عمدت قيادة البوليساريو إلى بث جو من الرعب، من خلال الاعتقالات وإلصاق تهم ملفقة بضحاياها وعرض نماذج منهم على القواعد الشعبية كنوع من المحاكمات التي تحاكي وتشبه إلى حد كبير محاكم اللجان الشعبية في ليبيا القذافي، ويتم نعتهم بأبشع وأقذر الصور وبأنهم خطر على «الثورة» والمجتمع ، وقد يطالب الحاضرون المرعوبون حتى بإعدامهم خوفا من الاتهام بأنهم متعاطفون مع «المجرمين».

وأتذكر هنا أنه في السنة الأولى لنا في مدرسة 9 يونيو كان معنا شقيقان من عائلة صحراوية مشهورة وكان أحدهما يعيش في شبه عزلة عن الجميع، بما في ذلك شقيقه، ولم نعرف إلا متأخرين أنهما يرتبطان بعلاقة القرابة تلك، وذلك حين علمنا أن أحدهما كان مسجونا ضمن مجموعة أطلق عليها اسم «اللجنة العسكرية» متهمة بالتخطيط لانقلاب على القيادة، وهو اتهام يكفي لأن يصبح صاحبه منبوذا ويتحاشى الناس حتى أقرب المقربين منهم الاختلاط به خوفا على أنفسهم. والقصة التالية تعطي صورة مصغرة عن الانتهاكات الجسيمة التي كانت القيادة ترتكبها في حق بعض الصحراويين. وهي القصة التي شهد عليها كل من كان يعيش في المخيمات وقت حدوثها بما في ذلك الأطفال.