السياسة

المغرب/ إسبانيا: أكثر من مجرد تعاون

بقلم: المختار لغزيوي الأربعاء 30 أغسطس 2017
hamouchi
hamouchi

AHDATH.INFO

في الوقت الذي كان وزير الداخلية المغربي لفتيت يحادث نظيره الإسباني ثويدو حول اعتداءات برشلونة الإرهابية، كان عبد اللطيف الحموشي باسم القطب الأمني المغربي  يلتقي كبار قادة الأمن والاستخبارات في إسبانيا لمناقشة المزيد من التعاون الأمني بين البلدين لمواجهة هذا الداء الفتاك، وكان الرئيس مانويل ماكرون في فرنسا يعلن أن أولوية الأولويات بالنسبة لديبلوماسية بلاده هي القضاء على الإرهاب،  وكانت دول أخرى عديدة تعلن أن هاته السنة بالتحديد، بعد كل الأحداث التي عرفتها السنوات الفارطة يجب أن تكون سنة الحزم والوضوح مع الشبح الذي يؤرق مضجع العالم المتحضر: الإرهاب باسم الدين.

بين المغرب وإسبانيا الحكاية ليست حكاية تعاون أمني عادي، هي أكبر وأعقد من ذلك بكثير. هي حكاية جارين حكمت عليهما الجغرافيا و التاريخ القريب والبعيد أن يكونا ملاذين لبعضيهما البعض. لذلك يقرأ أكثرنا حصافة الحكاية من منظورها التاريخي ويعود بها إلى الأندلس وإلى عودة العديدين إلى المغرب واستقرارهم به، ويقرأ فيها أيضا العلاقة المتشنجة التي مرت من الاستعمار ومن غيره من اللحظات المحتقنة، من الريف إلى سبتة ومليلية إلى جزيرة ليلى إلى بقية اللوازم الضرورية لأي علاقة بين بلدين في حكم الجارين، لايفصل بينهما إلا بحر لاتتعدى مسافته الأربعة عشر كيلومترا

لكن نفس القارئ يتسلح بنفس الحصافة لكي يفهم أن الحكاية الإيبيرو - مغربية هي أيضا حكاية تعاون وثيق تبع مرحلة التشنج، وتبع مرحلة الاحتقان لكي يخلي المكان لاقتناع من الضفتين الشمالية والجنوبية أن الرهانات التي تواجه البلدين معا أكبر بكثير من أن تتوقف عند العابر من التوترات، لذلك كان الإيمان موحدا وواحدا أن الحل هو التعاون في كل المجالات: من محاربة الهجرة السرية إلى محاربة تهريب المخدرات إلى محاربة الجريمة المنظمة قبل أن يبرز في السنوات الأخيرة الداء الفتاك الأكثر إجبارا لنا جميعا على التجند الكامل: الإرهاب باسم الدين.

لذلك وحتى عندما اقترفت وسائل إعلامية عديدة مثل مجلة بن يحمد "جون أفريك" أو غيرها كوارث إعلامية وهي تخلط بين الإرهاب المتعولم وبين البلد الذي ولد منه إرهابيون هاته المرة، أوحتى عندما ارتفعت أصوات نشاز داخل إسبانيا تريد إيهام الكل بنكتة غير مضحكة بأن المغرب يصدر الإرهاب، عاد العقل إلى عقله بسرعة، وقال الكل "لايمكن أن نقول هذا الكلام عن البلد الذي قدم في السنوات الأخيرة كلها، وبالتحديد منذ ماي ٢٠٠٣ الدليل يوميا علي أنه الأكثر جدية في هاته الحرب التي تعني الجميع"

لذلك التقى الكل في الرباط الثلاثاء الماضي، لوضع نقط بقيت ضالة على حروف كانت تبحث عنها، ولذلك تم التأكيد مجددا على أن الحرب الأمنية والاستخباراتية لا تكفي، وأن الفراغ الروحي الذي يستغله دعاة التطرف تملؤه هنا في المغرب مؤسسة إمارة المؤمنين، ويملؤه إسلام مغربي فطن مبكرا وقبل الوقت بوقت كثير أن المعركة ستكون باسم الدين ضد مهربي الدين، وأنه من الضروري عندما نريد الحديث عن هذا الموضوع أن نكون عارفين على الأقل بمرتكزه الأول الذي يسرقه منا المتطرفون ويلعبون به لعبتهم مع الجلهلاء وعديمي العقل والمعرفة: الإسلام.

لذلك تبقى معركة المساجد هي الأهم في أوربا والغرب، ولذلك تبقى معها معركة تلقين الأجيال المتعاقبة من أبناء المهاجرين إسلاما خاليا من الشوائب هي الحل، ولذلك تبقى معركة القضاء على أوجه الصرف الكثيرة على الإرهابيين لألعاب سياسوية صغيرة ستقضي على الكل هي الحل، ولذلك يبقى تأكيد هذا التعاون الأمني والاستخباراتي القوي بتعاون روحي ديني يفهم أن الإسلام هو ملك للمسلمين وليس للجماعات الإرهابية هو الحل.

برشلنونة التي دفعت ثمنا غاليا كانت درسا جديدا لنا نبهنا أن هاته المعركة ليست أمرا نافلا أو عابرا أو موضة نتباهى بها مرة بعد الأخرى ونكتفي.

هاته الحرب ضد الإرهاب وضد الفكر الذي يوصل إلى الإرهاب هي قدر المتحضرين في عالم اليوم أينما كانوا، وعلينا خوضها بكل شجاعة وبعيدا عن جبن هو الذي أوصل بعضنا في نهاية المطاف إلى ماهو فيه من تخبط، فيما ظل هذا البلد واضحا يقولها لكل من يريد سماعه: "نحن نعرف ديننا أفضل من الآخرين، ونحن نعرف أن الإرهاب لاعلاقة له بالدين، ونحن نعرف أننا سنخوض هاته الحرب، والأهم أننا نعرف كيف نخوضها، والأكثر أهمية من كل ذلك هو أننا مقتنعون بأننا سننتصر في ختامها".