مجتمع

محمد فال القاضي أكاه: مذكرات عائد موريتاني من جحيم معتقلات البوليساريو (ح:57)

محمد سالم الشافعي/ عبد الكبير اخشيشن الخميس 31 أغسطس 2017
لم تتمكن الجزائر من خلق مقومات دولة رغم كل التزييف
لم تتمكن الجزائر من خلق مقومات دولة رغم كل التزييف

حمودي ماغا.. الجلاد يحدد هويتي

كما هو معروف أن أحد بنود منشور «المؤامرة الكبرى»، الذي عممته قيادة البوليساريو تمهيدا لكذبة الشبكة الموريتانية الفرنسية، ينص على أن العنصر كان يتم اختياره على أسس من ضمنها أن يكون من أصول صحراوية، غير أنه لم يكن أحد أن يخمن أن الهدف من إدراج هذا البند هو استهداف بعض أبناء القبائل التي لها امتدادات عائلية في موريتانيا، وأن الاستهداف لن يكون مقتصرا على الموريتانيين وحدهم، وكان البعض من شباب هذه القبائل قد فهم تلك الرسالة مبكرا، ونظمت مجموعة منهم أكبر عملية فرار إلى موريتانيا، وقد تم اعتقالهم ليعاد بعضهم إلى المخيمات بأمر من الرئيس الموريتاني الأسبق محمد خونا ولد هيدالة، بعد مفاوضات مع وفد من قيادة البوليساريو برئاسة البشير مصطفى السيد، بينما المجموعة الباقية، والتي ذكر ولد هيدالة في مذكراته أنه رفض إعادتها لكون أفرادها موريتانيين، فقد تم سجنهم في بئر أم اكرين لأكثر من سنتين.

لم يكن الذين لم يحاولوا الفرار ولم يفكروا فيه أصلا أوفر حظا، فقد تم اعتقال الكثير منهم، وخاصة أولئك الذين لا يتمتعون بسند قبلي قوي داخل المخيمات. ومن هؤلاء الشاب حمودي ماغا، الذي لم يكن لا هو ولا أحد ممن يعرفه يتصور أن يأتي الدور عليه ويصبح متهما بالجوسسة مثل من سبقوه ومن لحقوا به، فقد كان شابا صغير السن مرحا قل أن تراه إلا مبتسما، وكان نشطا متفانيا في مهنة التدريس التي أسندت له، حيث كان من خيرة مدرسي اللغة الإسبانية. وكان الغريب في قصة اتهامه في ذلك التاريخ أنه لم يكن من الشباب القادمين من موريتانيا الذين فصلت عباءة الشبكة على مقاسهم، بل قدم من إسبانيا، حيث كان يتابع دراسته الجامعية.

ينتمي حمودي ماغا لإحدى القبائل التي تعرف تاريخيا بأنها تمثل نسبة كبيرة من سكان منطقة وادي الذهب في الصحراء الغربية والمناطق المحاذية لها من الشمال الغربي لموريتانيا، ولم يكن ساعتها قد عرف موريتانيا وإن كان يعتز بأن أخواله موريتانيون، تلك العلاقة التي يعتقد حمودي أن الجلادين لو كانوا على معرفة بها لكانوا صفوه كما صفوا الموريتانيين في معتقلاتهم النازية.

بدأت قصة هذا الشاب عندما اتصل به أحد أقاربه يدعوه للالتحاق «بالثورة» ويحمل له الصور الملونة عن النضال وعن المكاسب التي حققتها دون أن يمنحه فرصة الاضطلاع على المقلوب الأسود لتلك الصورة، بحكم أنه كان من المقربين لزعيم البوليساريو، وعلى اضطلاع بما كان يطبخ في كواليس القرار بما فيه من وسائل الاإصاء التي تصل أحيانا حد التصفية الجسدية.

استجاب حمودي ماغا لدعوة قريبه وضحى بدراسته الجامعية ومستقبله ككل، وكان يعتقد أن ذلك يهون في سبيل تلك الصورة النبيلة التي كان يحملها له شخص يفترض فيه أنه صادق معه ويهمه مستقبله الذي ضاع من اليوم الذي ترك فيه مدرجات الجامعة، ليجد نفسه بعد مدة قصيرة في المعتقل بتهمة التخابر لصالح عدد من الدول التي لا يعرف بعضها إلا على الخريطة. في المعتقل لم يختلف «السيكربت» الذي تم إعداده عن سيكربتات كل من اتهموا في تلك الفترة، إذ كل الاتهامات موحدة وهي التخابر للأجنبي، والشيء الوحيد الذي اختلف هو من باب التفنن في أساليب التعذيب النفسي والجسدي، حيث إن واحدا من تلك الأساليب القذرة لم يسمع أن استخدمه جلادو البوليساريو مع أحد سوى حمودي، وهو أنهم كانوا يضغطون على ثديه من أجل أن يتورم كي يصبح مثل ثدي المرأة ويهددونه بأنهم سيأتون بأحد أسرى الحرب المغاربة ليغتصبه، ولست أنسى يوم خروجه من المعتقل ودخوله علينا في مدرسة 12 أكتوبر وهو يحمل ذلك الورم على صدره فخلناه من آثار الضرب قبل أن نعرف الحقيقة التي يتقزز منها الشيطان.

ويقول حمودي ماغا إنه خرج أكثر اعتزازا بخؤولته من الموريتانيين، وخاصة بعد أن حدد له الجلادان أحمد سلامه ومحمد سالم السنوسي (سلازار) هويته الحقيقية في قاموسهم، وذلك بأن أصل قبيلته موريتانية مع تصغير اللفظين الأخيرين.