ثقافة وفن

دافقير يكتب: البام.. الفكرة أكبر من تحالفات المزاج !

بقلم: يونس دافقير الاثنين 02 أكتوبر 2017
IMG_7710
IMG_7710

AHDATH.INFO

ابتداء من سنة 2004 بدأ الأمريكيون، من داخل مراكز الدراسات ومستشاري الرئيس جورج بوش، يطرحون السؤال الأهم بالنسبة إليهم بعد اعتداءات 11 شتنبر 2001: كيف يمكن الحد من نفوذ وانتشار الإسلام الجهادي الذي كان يمثله تنظيم القاعدة؟ وخلال أشهر كان الجواب قد تبلور بوضوح في شكل مشروع فكرته الأساس هي دعم تيارات الإسلام المعتدل في العالمين العربي والإسلامي، ومساعدتها على الوصول إلى السلطة في تلك الأقطار.

كانت مؤسسة «راند» واحدة من مراكز التفكير هذه، وقد أعدت دراسة شاملة حول «بناء شبكات من المسلمين المعتدلين في العالم الإسلامي»، شارك فيها أربعة باحثين في مقدمتهم شارلي بينارد وأنجل رابسا ولويل شوارتز وبيتر سكيل. وقد انتهت إلى أن أهم الشركاء المحتملين لأمريكا في مواجهة الإسلام الراديكالي هم المسلمون الليبراليون، ومن الضروري «توفير كافة مصادر التمويل التي تمكن هؤلاء المعتدلين من نشر أفكارهم وحصد مؤيدين وأنصار لهم داخل المجتمعات الإسلامية، وتوفير الدعم السياسي من خلال الضغط على الحكومات السلطوية للسماح لهم بالتحرك بحرية ودون قيود».

وقد انعكس هذا التوجه الذي سيعتمده البيت الأبيض على وضعية تيار الإخوان المسلمين في الكويت ومصر وتونس على سبيل المثال. وفي المغرب حصل حزب العدالة والتنمية على دعم أدبي وتأطيري مهم، وكان من تجلياته أن حصل أمينه العام آنذاك سعد الدين العثماني بالعاصمة واشنطن سنة 2006 على جائزة المسلم الديمقراطي التي تسلمها من مركز «الدراسات حول الإسلام والديمقراطية» ويومها سيمتدح  ناثان براون، وهو من كبار الباحثين الأمريكيين من مؤسسة كارينغي، تجربة حزب العدالة والتنمية السياسية بوصفها أنها «مهمة وإيجابية للغاية».

والحق يقال إن خطابات سعد الدين العثماني، في اللقاءات التي عقدها بواشنطن يومها، كانت حريصة على استقلالية القرار السيادي الوطني، لكن الأمريكيين كانوا يرون في الحزب قوة صاعدة في المغرب، حتى أنهم نشروا نتائج استطلاع للرأي تنبأ بأن يكتسح الانتخابات التشريعية التي ستجري سنة 2007، وهو ما وضع الحزب في قلب جدل داخلي لم يخرج منه إلا حين قرر عدم تغطية جميع الدوائر الانتخابية.

وحدث أن تزامن ذلك مع مد إسلامي صاعد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بينما كان التيار الليبرالي عاجزا عن المنافسة، لكن ذلك لم يكن صادما بقدر ما ستأتي المخاوف من التراجع المهول لأحزاب الحركة الوطنية في المغرب. لقد بدا أن هذه الأحزاب التي احتلت المشهد الحزبي منذ الاستقلال تفقد تدريجيا قدرتها على التأطير والتعبئة، ومع كل استحقاق انتخابي كان النزيف يضرب بقوة قواعدها الانتخابية، وما نتائج الاتحاد الاشتراكي والاستقلال من 1997 إلى 2007 إلا تفصيل صغير في وضعية الخلل هذه، والتي كان من بين أكبر دواعي التخوف فيها هو ذاك العزوف المفزع عن المشاركة الانتخابية..

والظاهر أن تأسيس حزب الأصالة والمعارصة يتجاوز فكرة «حزب الدولة» لأن يستجيب لحاجة موضوعية تمليها المتغيرات الداخلية والحسابات الجيوستراتيجية الدولية، وهو في الأصل محاولة للإجابة عن خلل التنافسية السياسية والانتخابية، ومحاولة لسد الفراغ الذي بدأت تشهده ساحة المشاريع المجتمعية القادرة على خلق التوازن مع مشروع محافظ يستقطب الشارع بلغة الدين، بينما كانت نواياه، حينها، تجاه السلطة ونظام الحكم ماتزال ملتبسة.

وقد تكون الفكرة/ المشروع تعرضت لسوء التدبير في الممارسة، وعانت من نقص في أخلاقيات السياسة، وحتى من التباسات بعض ارتباطاتها بالسلطة، وهو ما كان موضوع نقد قاس وصريح في ساحة النقاش العمومي، وهو أيضا ما ظل يلاحق مصداقيتها وحد من فعاليتها في إنجاز مهمتها الأصلية، لكنه وعلى كل حال، الفكرة ماتزال صالحة، لأن نفس أسباب النزول ما تزال قائمة إلى اليوم، وحتى وإن كان الأمريكيون قد أعادوا النظر في فكرة دعم الإسلاميين المعتدلين في عهد الرئيس دونالد ترامب، إلا أن حالة اللاتوازن ماتزال قائمة وقد كرستها بوضوح أكبر نتائج انتخابات سابع أكتوبر الماضي.

و«البام» من زاوية التفكير والتحليل هذه هو أكبر من أن يختزل في «حلم الشعب المغربي بأن يحدث تحالف بينه وبين العدالة والتنمية»، وهو أيضا أكبر بكثير من أن يكون مجرد رغبة شخصية تجمع عبد الإله بن كيران ببعض الأصوات داخل مكتبه السياسي، والتموقع السياسي والفكري لحزب الأصالة والمعاصرة هو أبعد ما يكون من حساب تكتيكي للمشاركة في حكومة اليبيجدي فقط من أجل ضمان تنفيذ مشاريع تنموية في جماعات قروية وحضرية يسيرها الباميون.

ومازال «البام» يتحمل عبء فكرة التأسيس، لكن مع تحريرها من القاموس الحربي والخطاب الاستئصالي، وربما بسبب ذلك صرح بعض قيادييه مؤخرا أنهم يشتغلون على تقديم عرض سياسي جديد يتجاوز انتهازية التحالفات المزاجية أو الانتقامية أو حتى المحكومة بانبهارات شخصية. وسيكون خطأ قاتلا الاعتقاد بأن إنقاذ ما تبقى من البام سيكون بالتحالف مع العدالة والتنمية، لأن المدخل الوحيد الممكن لهذا الإنقاذ، هو مشروع سياسي ديمقراطي حداثي، لا ضرر في أن يزعم انتماءه لوسط اليسار، لكنه مطالب بإفراز قيادة قادرة على إضفاء المصداقية والجاذبية على المشروع وعلى حامليه.

وغير ذلك سيكون مؤسفا أنه وبعدما ألحق حميد شباط خطاب الاستقلال بالقاموس السياسي لحزب العدالة والتنمية انتقاما لحسابات شخصية، تأتي بعض قيادات البام لتلحق الحزب بعبد الإله بن كيران، فقط باسم الصداقات الشخصية واتصالات الهاتف الساخرة.