السياسة

القدس !

AHDATH.INFO _ الأحداث المغربية الجمعة 08 ديسمبر 2017
al_quds_jerusalem_day-4
al_quds_jerusalem_day-4

AHDATH.INFO

ليست مسألة سياسية، وليست مسألة دينية، وليست مسألة خلافية. وليست أي مسألة من المسائل. هي القدس.

هي عند المسلمين الأولى في القداسة والقبلة وثالثة الحرمين، وهي عند المسيحين مكان اختاره الرب لإهداء عنايته والمسيح لخلقه، وهي عند اليهود حائط المبكى ومكان الملوك، وهي قبل الديانات السماوية وبعدها بالنسبة لكل الإنسانية مكان الالتقاء الأول والأخير

لايحق لها وهي الرحمة المهداة من السماء أن تكون أداة قتل، أو سبب تفجير ودم، أو علة إرهاب وترويع، أو ذريعة لأجل إبادة شعب بأكمله لكي ترضى الغطرسة الصهيوينة، ولا حتى مبرر تهديد لليهود برميهم في البحر، ولا أي شيء من كل هذا الهراء

هي لاعلاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالتطرف أينما كان. لذلك تراها الأكثر حزنا هاته الأيام، وإدارة الرئيس ترامب تنفذ ماوعدت به في الحملة الانتخابية قبل دخول البيت الأبيض وتقرر أن الوقت قد حان لكي ينزع « الراعي » الأمريكي قبعة الحياد المزعوم، وأن يقرر في وجه العالم بأسره أن القدس تحق لإسرائيل وحدها وأن الآخرين كل الآخرين لا حق لهم فيها إطلاقا

لذلك اغتاظ العالم من هذا التصور الأخرق لترامب، ولذلك لم يروا شجاعة فيما أقدم عليه، بل تهورا لا معنى له، ومغامرة من النوع السافل فعلا لن تعود على العالم بأسره، وليس على المنطقة وحدها، إلا بالويلات والدمار.

لذلك أيضا كان المغرب وهو رئيس لجنة القدس حازما أكثر من الآخرين الذين تلفعوا في ترددهم بعيد القرار بقليل يتساءلون « والآن؟ ما العمل؟ » قبل أن يفهموا أن العمل الوحيد المقبول هو إدانة ماقام به ترامب ومطالبة العقل الدولي السليم أن يعود عن غيه وألا يقبل الانجرار لهاته اللعبة القاتلة الخطيرة

لذلك دائما ارتعب محبو السلام في كل مكان، لأنهم فهموا أن تطرف ترامب ونتنياهو سيعطي لتطرف الجهة الأخرى الذريعة التي تبحث عنها يوميا لكي تبرر معاداة السامية، لكي تجد العذر للإرهاب، لكي تشرعن القتل، ولكي تقول للجميع « أنظروا إن أمريكا تحتقر الأضعف، لذلك وجب فيها الجهاد وحق فيها الدمار ».

اليوم محبو السلام هم الأكثر تضررا مما وقع. المتطرفون في هاته الجهة أو في الجهة الأخرى مستبشرون، فرحون، يفركون الأيدي فرحا وينذروننا بالجثث وقوافل الموتى وأناشيد الحمقى وهي لا تعوض أما فقدت إبنها عن الفقد الجلل، ومظاهرات العته الجماعية التي يختلط فيها الحمق بالهستيريا بقول أي شيء ونقيضه، ثم البكاء على الأطلال في الختام والجلوس فوق التل بعد خرابه وبعد انتهاء كل الأشياء.

محبو السلام هم من يجب أن يتصدوا لقرار ترامب الأخير، وهم من يجب أن يتصدوا لكل التجاوزات التي أتت بعده، والتي تعتقد أن حل التطرف هو تطرف أكثر منه وليذهب عالمنا كله إلى الجحيم.

علينا اليوم طرح السؤال: لماذا صوت الناخب الأمريكي على شخصية مثل ترامب قال مايقوم به الآن أثناء حملته الانتخابية، بل قال ماهو أسوأ، وسينفذه؟ ببساطة  لأن الشعبوية المقيتة قتلت السياسة الرصينة المتحضرة وأنهت آمال العقلاء أن يسير عالمهم العاقلون فقط، لا الممسوسون بمس غريب، أو من يرتكبون الحماقات ويعتبرونها قرارات تاريخية

مع كل انتخابات تجري في أي مكان من عالمنا الفسيح ومع كل شعبوي جديد يقال لنا إن « الإرادة الشعبية اختارته وعلينا احترام هاته الإرادة » يجب أن نتحسس رؤوسنا، فهؤلاء القادمون على صهوة الفهم البسيط للأشياء سينفذون إلى عمق عمقنا، وسيذبحوننا جميعا وهم يقهقهون، ويعتقدون أنهم يحسنون صنعا فيما هم يسرعون فقط نهاية الكون كله.

هذه هي الحقيقة المرعبة اليوم في كل مكان من عالمنا المرتعب حد منح مستقبله لمرتعبين أكثر منه، كل موهبتهم أنهم يقدمون خوفهم صراخا وعويلا وزعيقا لكي يقنعوا الآخرين أنهم يعرفون مايفعلون.

أما القدس فلها سلام المحبين للسلام. ذات يوم ستعود مثلما أرادت لها الإرادة العليا الأولى أن تخلق: مكان سلام وحب ووئام وتعايش والتقاء بين الديانات كل الديانات وكل المعتقدات وكل الآراء. وبقعة طاهرة من السماء كل ذنبها أنها كان يجب أن تبقى في السماء، وألا تنزل إلى الأرض لكي يفعل فيها هؤلاء النازلون كل هاته الترهات.