الكتاب

إبن كيران: هل انتهى الكلام حقا؟

بقلم: المختار لغزيوي الثلاثاء 12 ديسمبر 2017
بنكيران1
بنكيران1

AHDATH.INFO

هو صاحب اللازمة الشهيرة « إنتهى الكلام ». وهو صاحب اللازمة الأشهر « فهمتيني ولا لا؟ ». وهو صاحب الضحكة التي فاقت في شهرتها اللازمتين، والتي كان يلجأ إليها في كل لحظات العصبية والتوتر السياسيين لكي يداري بها حرج الوقت، قبل أن تهزمه دموعه مرارا وتكرارا في الحملة الانتخابية الأخيرة، ويجد في البكاء ملاذا شرح للعديدين أن الحكاية ليست بالبساطة التي قد يتصورونها، وأن كلام الحواريين والأنصار والمؤلفة جيوبهم من الإعلام المساير للرجل  ليس بالضرورة هو الكلام الذي سيتحقق في الختام

أنهى ابن كيران الولاية الحكومية كلها من البدء حتى المتم. وقد كان ممكنا لها أن تتوقف في المنتصف أو قبله بقليل، يوم رمى حميد شباط إسفنجة الرهان في حلبة اللعب على حبال الزمن السياسي المغربي، وقرر أن يجرب قوته، قبل أن يفهم أن اللعبة ليست بهذا الشكل الميكانيكي البسيط.

كان ممكنا للولاية أيضا أن تتوقف في عديد الأزمات، خصوصا  منها تلك التي تسبب فيها إعلام ابن كيران أو الإعلام المحسوب عليه، أو الإعلام المقرب منه المؤتمر بأوامره، لكنها استمرت لأن المغرب أراد لها أن تستمر، ولأن عبارة « الاستثناء المغربي » - بغض النظر عن كل البكائيات التي تصدت لها كذبا - هي عبارة صادقة أرادت لهذا البلد أن يقدم نموذجا مغايرا للنماذج الأخرى التي اضطرت سنة « الربيع » العربي الكاذب إلى ابتداع وصفات سريعة وغير طيبة المذاق للتغلب على هول المفاجأة، وذهول الصدمة من مطالب شارع كانت تعتقد أنه نائم

في المغرب لم يكن الشارع نائما في يوم من الأيام. ولم يستفق في عشرين فبراير فقط، ولم تتفاعل معه الملكية سنة 2011 فقط، بل سبقت منذ 1999 ، بل ربما شرعت منذ بداية التسعينيات في تغيير عديد الأشياء وفي الوصول قبل العرب كلهم إلى التفاعل الذكي والحقيقي مع الناس . ومن يقول عكس ذلك جاهل، أو مزور للتاريخ، أو راغب في دفع البلد للاصطفاف مع الآخرين، والتشبه بهم رغم أنه لا يشبه من وماعداه

في المغرب خرج الشارع باستمرار مطالبا بعديد الحقوق، بل ووقعت صدامات عديدة من بداية الاستقلال وحتى الستينيات من القرن الماضي فسبعينياته، ثم ثمانينياته والتسعينيات.

يومها كان تيار الإسلام السياسي الذي قطف ثمار الربيع العربي الكاذب مختفيا عن الأنظار، يصلي كثيرا ويعتكف ويصوم الإثنين والخميس، يعتقد أن معركة « هؤلاء اليساريين والديمقراطيين الملاعين » لاتستحق المواكبة ولا التشجيع، بل ربما تورط هذا الإسلام السياسي في كبح جماع عديد الأمور إلى درجة القتل المادي الحقيقي للرموز: من قتل عمر ابن جلون؟ ومن قتل فيما بعد بنعيسى آيت الجيد؟

لذلك وحتى عندما أتى ابن كيران بقاموسه الشعبي الشهير في الكلام وبطريقة قيادته للسياسة الحكومية ابتسم المغاربة ببطء شديد. تعاطفوا مع القفشات نعم، فهموا أن للرجل طبيعة شخصية لطيفة إلى حد ما نعم، لكنهم لم يصدقوا البرنامج السياسي، وهذا أهم ما في الموضوع. استوعبوا أن الرجل لايستطيع أن يقدم لهم إلا القفشات والنوادر وحكاية المستملحات أو هجاء الخصوم بقسوة من على منصة اللبرلمان، ودفع الكل إلى الضحك منهم والسلام ختام. باختصار شديد لم يكن الرجل قادرا على تقديم إلا الكلام ثم الكلام فالكلام، قبل إنهاء الكلام بعبارته الشهيرة « إنتهى الكلام »

أين أضاع ابن كيران الطريق؟

لابد من طرح السؤال وإن أزعج، ولابد من البحث له عن بعض الأجوبة وبدايات الشرح من طرف إعلام محايد ومن طرف باحثين لا تربطهم به المصلحة الآنية، أو منطق « عدو عدوي صديقي  وليذهب البلد إلى الجحيم » الذي أرهقنا في الأشهر الأخيرة..

أضاع ابن كيران بداية الخيط المغربي يوم اعتقد فعلا أنه لوحده « مضوي البلاد » وشرع يقول لنا إن الاستقرار الذي ينعم به المغرب بعد الربيع العربي ليس استقرارا دائما وأننا « ماقطعناش الواد ومانشفوش رجلينا » إلا في حالة واحدة : أن نمدد له

أن نمدد له الولاية الحكومية، لكن على المقاس بأحزاب تابعة له، وإن كانت مختلفة عنه، وبشروط التمكين كلها، لكي يفعل مايشاء، ولكي يستطيع القيام بما لم يقم به في الولاية الأولى، وإن اضطره الأمر إلى جعل الأحزاب المغربية كلها التي كان يرغب في إدخالها إلى الحكومة ملحقات تابعة له. وأن يمدد له ثانيا أهله في الحزب الولاية التسييرية، لكي يكون بقاؤه على رأس الحزب رسالة إلى معارضيه وخصومه وإلى كل من يهمه الأمر أنه لا استغناء عنه أبدا وإن كنا نحن الآدميين من المستغنى عنهم بكل سهولة الكون طالما ألا أحد منا يبقى فوق هاته الأرض إلى أبد الآبدين.

وأثناء تضييع رأس الخيط هذا، والبحث عن كل سبل التمديد كان ابن كيران يتحدث. بل لم يكن يتوقف عن الحديث. هو في الحقيقة قال كلاما كثيرا قبل الحملة ووسطها وبعد انتهائها، ويوم رآه العديدون ليلة الإعلان عن النتائج الأولى للانتخابات التشريعية المغربية، ملتحفا « كندورته » المغربية الأصلية غير منتظر للنتائج الرسمية، فهم العديدون أن تسرعا ما تسبب في ألا يضيع رأس الخيط هذا فقط، بل أن تختلط كل الخيوط، وأن ندخل لحظة تشنج قصوى دامت ستة أشهر ويزيد

أسماها إعلام إبن كيران المساير « التحكم »، ودبجوا عنها المقالات تلو المقالات، وصنعوا على المقاس للرجل خصما أرادوا من خلاله إقناع المغرب كله بحقائق غير التي يعرفها المغرب أصلا. انتهت الحكاية بما انتهت إليه، وعادت الحكومة إلى سعد الدين العثماني، أي بقيت لدى الحزب الذي احتل المرتبة الأولى في الانتخابات، لكنها خرجت من يد من لم يستطع إقناع « حلفائه » بجدية رغبته في التعاون معه. ثم كانت نهاية الحقبة الابن- كيرانية في الحزب، ودار الزمن دورة عجيبة للغاية وفق عقارب الساعة المغربية لكي يعود العثماني ذاته إلى منصب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية

خرج إبن كيران يوم السبت إلى الصحافة لكي يقول لها « الحزب عندو مواليه، ومواليه مابقاوش باغييني نكون أمين عام ديالهم ».  كان ممكنا له أن يقول مرة أخرى « إنتهى الكلام »، لكنه لم يقلها هاته المرة.

قال « ربما »، وقال « المستقبل بيد الله »، وقال « الله أعلم ».

لعلها المرة الأولى التي يقول فيها أصدقاء ابن كيران قبل خصومه إن الكلام انتهى فعلا، وأنه يوم انتهى لم يستطع « الدكتور » جيكل (عبد الإله) أن يصارح « مستر » هايد (إبن كيران ) بهاته الحقيقة البسيطة والعارية التي تنهي لعبة القناع المزدوج، أو لعبة الحكومة طيلة الأسبوع والمعارضة نهايتها، والتي تذكرنا بمسألة بديهية للغاية قالها رب العزة في محكم التنزيل وفي سورة « الأحزاب » بالتحديد: ماجعل الله لرجل من قلبين في جوفه ». صدق الله العظيم