ثقافة وفن

أحداث أنفو تفتح ملف.. المسكوت عنه في موسيقى كناوة

إنجاز: حسن البوهي الأربعاء 13 ديسمبر 2017
Capture d’écran 2017-12-13 à 11.09.49
Capture d’écran 2017-12-13 à 11.09.49

AHDATH.INFO

القراقب، الكنبري (الهجهوج)، الطبل...معدات موسيقية بسيطة تُشيّد بإيقاعاتها صرح سيمات عالم موسيقي يمتزج بطقوس احتفالية غرائبية تستلهم جوهرها من تراثيات افريقية انصهرت في البيئة المغربية لتنسج لنفسها لونا غنائيا روحانيا متفردا... ينقلكم  الموقع في هذا التحقيق للتعرف على هذا اللون الموسيقي، وتميط اللثام عن خباياه وأسراره المتوارية خلف مجموعة من الممارسات والطقوس التي يتحاشى العديد من رموز هذه الموسيقى الحديث عنها، فما هي أصول موسيقى كناوة وامتداداتها الطقوسية؟ وما حقيقة استحضار الجن والأرواح في ليلة دردبة؟ وكيف يتم ذلك؟ وما هي دلالات ذلك من وجهة نظر علمية؟

 

1- كناوة...أصول إفريقية بمؤثرات مغربية

اختلف الباحثون المهتمون بموسيقى كناوة في أصول تسميتها، وتحيل الإشارات القليلة المتناثرة في عدد من المصادر التاريخية أن مصطلح "كناوة" جاء كناية عن الانتساب الجغرافي لمدينة "كيني" المتواجدة على ضفاف حوض النيجر جنوب تومبوكتو التي كانت عاصمة للتجارة الصحراوية وموطنا لنفائس البضائع من التبر والعاج ورقائق الذهب خلال فترة حكم الدولة السعدية.

في اللغة الأماريغية كلمة كناوة مشتقة من "إغري إكناون" والتي تعني "حقل" "إغري" السحب الملبدة بالغيوم، كان الجغرافي والمؤرخ الزهري (أبو عبد الله ابن أبي أبكر) الذي عاش في القرن 12 الميلادي أول من  أطلق على سكان غانا تسمية كناوة وميز بينهم عدة أقوام منهم البربرة والأماينة، وفي وصفه للخصائص الجغرافية لغانا أشار إلى مجال يسمى "جنوة" بكسر الجيم وفتح النون.

وقد كانت شعوب هذه المنطقة تدين بالمعتقدات الدينية إلى سنة 496ه/1103م عندما فتحها يحي ابن أبي بكر أمير مسوفة ليعتنقوا الاسلام حينها ويتخرج منهم فقهاء وأئمة وعلماء متبحرين في العلوم الفقهية.

استعمل الشريف الإدريسي في نزهة المشتاق وهو من جغرافيي القرن 12 تسمية "الكناوية" وأورد أنها مشتقة من غنيا، ليأتي بعده باحثون ومستشرقون غربيون استعملوا نفس التسمية حيث أورد j.m.cuoq  معطيات معجمية تشير أن اللسان الدارج المراكشي يستخدم هذا الاصطلاح أي "كناوة" للإستدلال على الأفارقة السود القادمين من جنوب الصحراء وفي تونس يطلق مصطلح "كناوية" على لغة السود، ومصطلح "كناون في لهجة التوارك وأمازيغ الصحراء " مفرده "كناو" ويحيل على العبد ذو البشرة السوداء.

وردت في متن العديد من النصوص التاريخية تسمية "عبيد جناوة" ويقصد بها الأقنان ذووا البشرة السوداء المنحدرون من غانا الذين استقروا بالمغرب في القرن 16 الميلادي في إطار التجارة الصحراوية النشيطة التي كانت تربط المغرب السعدي بدول جنوب الصحراء، فاستقر المقام بطائفة منهم فيما بعد بمدن فاس، مراكش، أكادير...

غير أن عددا كبيرا منهم استقر بمدينة الصويرة التي كان مناؤها آنذاك يُمثّل حلقة وصل بين القوافل التجارية القادمة من الصحراء ونظيرتها المتوجهة أو القادمة من عديد الدول الأوربية، فأمتزج "العبيد" بباقي مكونات المجتمع الصويري الذي كان يضم وقتئذ نسيجا غنيا ومتنوعا من الأجناس البشرية مختلفة الانتماءات العرقية، الدينية والقبلية، لاسيما أن السلطان سيدي محمد ابن عبد الله، بُعيد استكماله لبناء مدينة الصويرة سنة 1764 عمل على تشجيع الاستقرار بها باستقدام السكان من مناطق متفرقة من المغرب.

أورد الباحث عبد الحفيظ الشليح الذي وافته المنية مؤخرا في دراسته "les Gnaoua du Maroc- itinéraires initiatiques transe et possession" أن كناوة المغرب ينقسمون إلى قسمين: كناوة المدن التاريخية الذين يحيون طقوسهم عن طريق ما يُعرف  ب"دردبة" تلعب فيه ألة "الكنبري" الدور الرئيسي،  وقسم ثاني من الكناويين خاص بالمناطق الأمازيغية  يحملون إسم "عبيد لالة كريمة".

وفي حديثه عن الأصول الاجتماعية والعرقية للفرق الكناوية بالمغرب أورد الباحث ذاته أن "كناوة العرب" ينحدرون من العبيد الذين كانوا في خدمة الأسر المغربية الميسورة المستقرة بالمدن الكبرى التاريخية، فيما "عبيد لالة كريمة" هم من العبيد القدامى للدول الأمازيغية قبل مجيء الاسلام.

يتبع