ثقافة وفن

المسكوت عنه في موسيقى كناوة..4- دردبة...ليلة استحضار ملوك الجن!

إنجاز: حسن البوهي السبت 16 ديسمبر 2017
Capture d’écran 2017-12-15 à 12.19.48
Capture d’écran 2017-12-15 à 12.19.48

AHDATH.INFO

القراقب، الكنبري (الهجهوج)، الطبل...معدات موسيقية بسيطة تُشيّد بإيقاعاتها صرح سيمات عالم موسيقي يمتزج بطقوس احتفالية غرائبية تستلهم جوهرها من تراثيات افريقية انصهرت في البيئة المغربية لتنسج لنفسها لونا غنائيا روحانيا متفردا... ينقلكم  الموقع في هذا التحقيق للتعرف على هذا اللون الموسيقي، وتميط اللثام عن خباياه وأسراره المتوارية خلف مجموعة من الممارسات والطقوس التي يتحاشى العديد من رموز هذه الموسيقى الحديث عنها، فما هي أصول موسيقى كناوة وامتداداتها الطقوسية؟ وما حقيقة استحضار الجن والأرواح في ليلة دردبة؟ وكيف يتم ذلك؟ وما هي دلالات ذلك من وجهة نظر علمية؟

4- دردبة...ليلة استحضار ملوك الجن وتخليص الأجساد

تتوارى خلف الموسيقى الكناوية طقوس وعادات تدخل في خانة المسكوت عنه ويتجنب العديد من المعلمين الكناويين الخوض فيها لحساسيتها المفرطة، وهي تختزن في طياتها تفاصيل ومعطيات تنهل من عالم الغيبيات، يمتزج فيها السحر بالشعوذة والدجل، للتعرف عن قرب على هذه الأجواء الطقوسية، تحيّنا فرصة حضور ليلة "دردبة" او الليلة الكبيرة التي تحتل مكانة أثيرة لكل الكناويين، فكان علينا أن ننتظر شهرين ونصف.

قصدنا مقر الزاوية العيساوية بالصويرة التي كانت تغص بعدد كبير من المريدين والمتتبعين، تحكي مقدمة زاوية سيدنا بلال أن طقوس هذه الليلة التي تسمى في عرف الكناويين ب"العادة" تكون نقطة انطلاقتها من إحدى الزوايا القريبة كزاوية ركراكة أو زاوية مولاي عبد القادر، زاوية عيساوة.. في موكب يشكل فيه التمر والزهر والحليب رمزية خاصة.

وعلى إيقاع "كويو" تنحر الذبيحة التي تكون باسم أحد ملوك الجن السبعة الذي أقيمت الليلة على شرفه لتخليص مريض ما من الملوك الذين يستوطنون جسده –على حد عُرف الكناويين- ولا ينحر الجزار الذبيحة إلا عندما يتلقى الإشارة من المعلم الذي يصل في أوج عزفه إلى مرحلة يتواصل فيها مع كائنات غيبية وهي التي تحدد اللحظة المناسبة لكي تتلقى القربان أو الهدية، وتنبري المقدمة (المشرفة على الزاوية) أو أحد أعضاء فرقة كناوة لتخضيب جباه زملائه ومعداتهم بقطرات من دم الذبيحة، لتكتمل بذلك مراسيم استدعاء "لملوك" والترحيب بهم لإحياء ليلة دردبة.

يلج الكناويون عالم الروحانيات والغيبيات في ليلة دردبة عبر طقس"الحمل والطبيقة" الذي يُعد من الطقوس الأساسية التي لا يمكن ل"الليلة" أن تتم بدونها، و"الحمل" عبارة عن سبعة أعلام متعددة الألوان، كل لون يمثل طائفة من الطوائف الكناوية، أما "الطبيقة" فهي عبارة عن غطاء توضع فيه أصناف من الأبخرة وماء الزهر، تفتتح الأمسية (الرحبة) بإيقاعات من "طرح حمادي" يعتمر أتباعه ملابس باللون الأبيض.

ثم يأتي دور البوهالي بملابس مزركشة تضم مزيجا من الألوان حاملا معه قفته التقليدية فيها كسرات من الخبز مرشوشة بماء الزهر والسكر يطوف على المُتحلقين طاعما إياهم، حاملا عصاه يلوّح بها ذات اليمين وذات الشمال متماهيا معها في حالة من الارتباط الروحي التي تجعله غير مُدرك لما يدور حوله (على حد تعبير المقدمة).

أما أتباع سيدي ميمون فيدخلون حاملين علما أسودا وجوامير تتصاعد منها أبخرة "الجاوي الأسود"فيما يمسك الراقص أو "الجذاب" (الشخص الذي يمارس الجذبة) بيده شمعة في إحالة رمزية على صفة "الضاوي" التي يُنعت بها أبوهم الروحي سيدي ميمون، ليأتي الدور على "الغمامي" الذي يرقص بشكل هستيري ممسكا بخنجر حاد "الكمية"،  ثم "المرسويين" وهم يجسدون رقصات مستوحاة من عالم البحر وما يتخلله من صيد وسباحة.

ومن بين رقصاته هناك رقصة "الجبانية"، رقصة "شبكة البحر"، رقصة "الغطاس"، بعد نهاية رقصات المرساويين يدخل أتباع "سيدي حمو الجزار" حاملين علما  باللون الأحمر في إحالة رمزية على الدم والنشاط المهني للجزارة، وبإيقاع كناوي قريب من طنين النحل يدخل "مول العسل" ممثل فرقة "العسليين".

ويشترط لزوما أن يكون العسل الحر حاضرا أثناء طقوس الجذبة لكي يتذوقه بين الفينة والأخرى، يذكر بعض العارفين بالطقوس الكناوية أن الراقص يمكن أن يفقد صوته ولن يقوى على الكلام إذا شعر بالغضب أو تعرض لسلوك استفزازي من المتتبعين، حينها العسل فقط من يُعيد له توازنه الروحي وتركيزه المعنوي.