السياسة

الدعم العمومي للصحافة: كلمة يجب أن تقال !

بقلم: المختار لغزيوي الاثنين 18 ديسمبر 2017
25438758_10211229579197281_4172983550620587654_o
25438758_10211229579197281_4172983550620587654_o

AHDATH.INFO

الموضوع حساس مثل كل المواضيع المرتبطة بالمال في هذا البلد، لكن لابد من بعض الحديث عنه وإن أزعج أو أقلق أو أثار حفيظة بعض من يرفضون طرحه للنقاش

الموضوع يتعلق بالدعم العمومي للصحافة المغربية المسكينة والمنكوبة- لامفر من إضافة الوصفين وأوصاف أخرى تدل على سوء الحال إن تطلب الأمر -  في شقيها المكتوب والإلكتروني

زملاء لنا في منابر إلكترونية عديدة تجاوزوا مرحلة التشكي الصامت إلى مرحلة الحديث بالأسماء والأرقام في مواقع التواصل الاجتماعي عن هذا الدعم، عن طريقة توزيعه، عن المستفيدين منه، وعن غياب الشفافية في الحكاية كلها

نتفهم شكايات هؤلاء الزملاء، وخصوصا أولئك الذين غامروا في لحظات صعبة وأنشؤوا مواقع إلكترونية حاولوا من خلالها مواكبة هذا التغير الهائل الذي تعرفه مهنتنا، والذي ينتقل بها كل يوم آلاف الأميال نحو انقراض الشق التقليدي منها، وانتهاء دوره، في أفق التحول بشكل كامل إلى شق آخر له علاقة بتطورات الوقت، وتقدم الزمن، وبوسائط التواصل الحديثة مما يفترض أن يواكبه أي راغب في البقاء في هذا المجال، ومما يفرض نفسه علينا إجبارا وليس اختيارا بطبيعة الحال

حدة النبرة في كلام زملائنا تبدو للبعض غير مقبولة، لكن يجب فعلا أن نطرح السؤال: ما الذي دفع هؤلاء الزملاء إلى الحديث بهاته النبرة الغاضبة، الباكية، الساخطة ؟ وما الذي يجعلهم يحسون أن الصف الصحافي الوطني منقسم إلى صفين: صف مستفيد، وصف يتجرع يوميا الخيبات ويكتفي بالفرجة ويمضي؟

واجب علينا طرح هذا السؤال لأن الأمر يتعلق بصحافيين ينتمون معنا لنفس المهنة، أو هذا هو المفترض نظريا، وصوتهم الغاضب هو صوتنا جميعا، ولن ينفع أن نمثل دور من لم يسمع شيئا أو دور من يعرف لماذا يصرخ هذا ولماذا يبكي الآخر، واستعمال عبارة :أنا أعرف كيف أسكته » التي لم تحل إشكالا واحدامن إشكالات صحافتنا منذ أن بدأت وإلى أن تنقرض بإذن الصانع البديع

هناك مشكل حقيقي يجب أن نعترف بذلك. سواء. في طريقة توزيع الدعم العمومي  - وهو دعم بدونه سنموت جميعا لأن نسبة المقروئية في هذا البلد الأمين لاتساعد على طبع عدد واحد لنا جميعا دون أي استثناء - أو في طريقة توزيع الإشهار، وهي حكاية طويلة عريضة لها ارتباط بمسكوت عنه كبير يجعل أغلبيتنا تفضل الحديث في الصالونات الخلفية عن الذين يشترون صمت البعض، ورضا البعض الثاني، ويتفادون شر البعض الثالث، ويقررون في لحظة من اللحظات أن البعض الرابع مأمون جانبه ولا خوف منه، وأنه يستطيع البقاء لذلك « اتركوه مثلما هو » إلى آخر مانعيشه يوميا ونتابع تفاصيله، ونترفع عن ذكرها لأننا نعتبر أنفسنا مشتغلين في مجال صعب للغاية، وصفه الأول والأخير هو « مهنة المتاعب » ونتصور من قلب تخيلنا الأفلاطوني للحرفة أننا يجب أن نصبر وأن نرابط وكفى

المشكل يصبح حقيقيا عندما نرى أن بعض أعداء كل مايتم في البلد ممن احترفوا الابتزاز وجعلوه خطهم التحريري هم المستفيدون الأوائل سواء من الدعم العمومي  أو من الإشهار

نطرح السؤال على عقلاء المهنة، وبعض من يسيرون دواليبها، ويأتينا الجواب فعلا صادما: هناك حسابات صغيرة تلعب في هذا المجال، وأحيانا يكون ضروريا إسكات بعض من يحترف الصراخ لئلا نقول النباح - وهذا ليس كلامنا بل كلام بعض من بأيديهم الحل والعقد - لكي يواصل اللعب بعظمته التي نلقي بها إليه، عوض أن ينشغل بنا وأن نصبح نحن ديدنه اليومي

نمسك نحن حينها برؤوسنا بين الأيادي، ونطرح السؤال صريحا: هل تتحدثون بجدية آيها السادة؟

تبتسم الابتسامة بسخرية في وجهنا، ويخرج اللسان نفسه بشماتة قاتلة ويقال لنا « لاتشغلوا بالكم بهاته الأمور، أنتم أقوى من هؤلاء العابرين لذلك استمروا ». يطرح علينا السؤال بصفاقة تحرجنا « هل تحتاجون شيئا ؟ تحدثوا » نقول لمن طرح علينا السؤال إننا نحتاج شيئا واحدا فقط : أن يعود بعض العقل إلى رشده، وأن نحسب حساب اللعب الصغير بالأشياء، وأن نضع في اعتبارنا أن الإعلام الذي يتصوره البعض أمرا نافلا غير قادر على شيئ قد ينقلب وبالا علينا جميعا في أي لحظة من اللحظات، وأنه أخطر ما في الحكاية ككل

نذكر من يتحدث إلينا بعديد المحطات الحاسمة في البلد، ونقول إن لعبة الخضوع للابتزاز هاته ليست خاصية الشجعان، وأن المغرب الذي تحدى بقوة صحافيين فرنسيين حاولوا ابتزازه بكاذب المعلومة وساقط الكلام أعطى مثالا واضحا في هذا الصدد أننا يجب أن نكون واضحين، شفافين، أرقام مبيعاتنا الحقيقية هي التي تخرج إلى العلن وارتباطات كل واحد منا هي التي تحدد في النهاية من ينتمي إلى البلد قليلا، ومن ينتمي إليه كثيرا ومن لاينتمي إلا لمجالات المال والأعمال

يحدق فينا من نتحدث إليهم بنظرات الاستغراب لكأننا أتينا فريا من القول أو الفعل، ويشرحون لنا « بالخشيبات »: أن الحكاية معقدة وأن « فلان أوصى فلانا بأن يعتني قليلا بعلان، لئلا يغضب فرتلان، ولئلا يقول فلان الثاني لفلان الأول إن وصيته لم تنفذ على الوجه الأصح »

نحس بأن الحكاية سمجة، غبية، وغير قابلة إطلاقا للبقاء طي هذا الكتمان المعيب. نتأمل صداها وانعكاسها على واقع ماينشر وطبيعة ماينشر وجودة ماينشر إن في المكتوب أو في الإلكتروني المرتبط بكل حبال الضوء والتكنولوجيا

نفهم أن المقلب صنع ذات لحظة غموض لكي يستفيد مه أكثر الغامضون، ولكي يؤدي ثمنه من تلفعوا بالوضوح منذ اللحظة الأولى، ومن أعلنوا الوضوح استمرارا لهم، ومن سيواصلون الاشتغال بهذا الوضوح، بعد أن ينتهي الغموض من غموضه

نتفهم صرخات زملائنا المتضررين، ولا نستطيع إدانتها، ونقول لأنفسنا « ربما تنفع الخطوات المستقبلية في تقنين القطاع أكثر، وفي جعله يحدد أولوياته وفق ماتفرضه المهنة، لا وفق ماتفرضه حسابات الابتزاز الفارغة، تلك التي تجعل من يمد اليد أكثر وطيلة الوقت هو « المتسول » الأفضل فينا جميعا والمستفيد الأكبر من كل الصدقات

نتمنى خيرا من المستقبل وإن علمتنا الماضيات من الأيام أن هاته المهنة إن لم يسير دواليب دواليبها أهلها بعيدا عن الحسابات الفارغة، لن تكتفي بماتحولت إليه اليوم أي مهنة من لا مهنة له، بل ستصبح بشكل قانوني ومعلن عنه ومفتخر بنفسه مهنة من يتسول ويبتز أكثر لا أقل…ولا أقل أيضا، لأنه لا أكثرية في هاته الحكاية غير المسلية إطلاقا المسماة صحافتنا الوطنية.

وللموضوع صلة إن تطلب الأمر ذلك بطبيعة الحال….