كلمة الأحداث المغربية

مأسسة الديموقراطية وحقوق الإنسان

حكيم بلمداحي الاثنين 25 ديسمبر 2017
ramid
ramid

AHDATH.INFO: حكيم بلمداحي

صادق المجلس الحكومي الأخير على الخطة الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان، وسيتم اعتمادها بعد نشرها في الجريدة الرسمية. أهمية الخطة، كما تم تصورها من خلال فلسفة العدالة الانتقالية، تتجلى أساسا في  كونها خريطة طريق في سبيل مأسسة البعد الحقوقي والاختيار الديموقراطي، واعتمادهما في كل السياسات العمومية... هل ما تم مناقشته في المجلس الحكومي يساير هذا التصور؟ هو سؤال يبقى مطروحا والإجابة عليه رهينة بالجانب الإجرائي في المشروع الحكومي…

لكن قبل الخوض في هذا الجانب لابد من التذكير ببعض المعطيات. فالخطة المذكورة لها حكاية طويلة ومسار يعود إلى عشر سنوات خلت، حينما تم إعدادها، بمشاركة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، حينذاك، إضافة إلى جمعيات من المجتمع المدني... وبالفعل تم إعداد الخطة، وتم تسليمها إلى الوزير الأول عباس الفاسي، هذا الأخير الذي أحكم الإغلاق عليها في درج آمن، دون أن تجد طريقها ولو للنقاش. انتظر المغرب الحقوقي، لكن حكومة عباس الفاسي اختارت أسلوب لا عين رأت ولا أذن سمعت…

نفس المصير ستلقاه الخطة مع رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، الذي تسلمها هو الآخر من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بعد تحيينها تبعا للمستجدات التي حدثت في المغرب حينها...

عبد الإله بن كيران لم يتعامل بنفس أسلوب عباس الفاسي، لكنه سلم الخطة لوزير الدولة حينها المرحوم عبد الله باها، وأخبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان بأن باها سيباشر معه تفعيلها أي الخطة... غير أن لا شيء من ذلك تحقق، وظل الانتظار هو سيد الموقف...

مع وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد تم إحياء الخطة من جديد، بعدما تعهدت الحكومة في تصريحها أمام البرلمان باعتمادها...

طبعا يحسب لمصطفى الرميد أنه سرع بتحيين الخطة، بعدما شكل لهذا الأمر لجنة عملت من أجل ذلك، ليعرضها أمام الصحافة بحضور رئيس الحكومة سعد الدين العثماني قبل عرضها على المجلس الحكومي...

ليس هناك مفر من الإقرار بأن السرعة البطيئة والمتعثرة التي تحركت بها الخطة، فيها هدر للزمن المغربي. أكيد وبطبيعة الحال سيكون  الثمن باهظا... فهذا التأخر خلق نوعا من الحذر في الحكم على مسار العدالة الانتقالية، على الرغم من أن الخطاب الرسمي من أعلى مستوى في السلطة يقدم الضمانات على أن خيار الديموقراطية وحقوق الإنسان هو اختيار لا رجعة فيه.. وقد كان لاعتماد الخطة، لو تم، أن يجنب المغرب بعض المواقف، موضوع أحداث الحسيمة كمثال. فالخطة من شأنها أن تحقق شروط الاشتغال الاستباقي الذي ييسر العمل المؤسساتي المتكامل، وعدم ترك الأمور تتطور بالشكل الذي تم به، مما أفسح المجال لتدخلات استغلت الفراغ وحولت مطالب اجتماعية عادية إلى احتقان مس بصورة مسار شكل لفترة من الزمن نموذجا في المنطقة، هو مسار الانتقال الديموقراطي والعدالة الانتقالية...

الخطة الوطنية من أجل الديموقراطية وحقوق الانسان إذن هي آلية لأجرأة مسار المصالحة والعدالة الانتقالية، وبالتالي فالتأخير في اعتمادها له أثر كبير على سرعة تحقيق هذا المسار. هذا التأخير الذي تتحمل المسؤولية فيه الحكومتين السابقتين، خصوصا حكومة عبد الإله بن كيران التي جاءت في ظل تطورات دستورية وقانونية ملائمة... وهذا موضوع آخر...

على كل حال ما وقع وقع، وكما يقول المغاربة «وقت ما جا الخير ينفع». غير أن الخطة بالشكل الذي مرت به في المجلس الحكومي مازالت تطرح عدة أسئلة. فمن جهة هناك بعض النقاط التي لم توفها الخطة حقها واعتبرتها مسائل خلافية، على رأسها قضية عقوبة الإعدام، حيث تركتها الخطة للنقاش، في وقت كان من اللازم أن تبحث لها عن إجابة، خصوصا وأن مسألة النقاش المجتمعي مر على طرحها أكثر من ثلاث سنوات، بعدما دعا جلالة الملك إلى هذا الأمر في الرسالة الملكية الموجهة لمنتدى مراكش لحقوق الإنسان...

أيضا يمكن مساءلة الخطة بشكلها الحالي الذي اعتمدته الحكومة، في جوانبها الإجرائية والاعتمادات المالية التي ستخصص لها، وفي ما إذا كانت خطة أم استراتيجية أم هي مجرد أهداف ونوايا لا غير؟

على كل حال لابد من التأكيد على أن الخطة في شكلها المحقق لأهداف العدالة الانتقالية، ليست ترفا حقوقيا للتباهي بالتحاق المغرب بالدول الثمانية والثلاثين التي اعتمدت هذا الأمر، بقدر ما هي ضرورة يفرضها الانسجام مع التوجه المغربي للعهد الجديد، والانسجام مع الخطب الملكية التي تحث على تحقيق المجتمع الديموقراطي الحداثي... والحكومة مطالبة بوقف هدر الوقت والعمل على إخراج خطة متكاملة إلى حيز الوجود، خطة تراعي التحديات التي يوجهها المغرب اليوم...