ثقافة وفن

عبد الرؤوف.. الصعري.. تاه تاه والآخرون !

عن جريدة "الأحداث المغربية" الاثنين 08 يناير 2018
Capture d’écran 2018-01-08 à 10.39.39
Capture d’écran 2018-01-08 à 10.39.39

AHDATH.INFO

لضحكة الأول الأصيلة تلقائية القدوم ذات سبعينيات مضت وانقضت من العصر الحجري الفائت، ولتجوال الثاني على الفنانين المرضى أو المحتاجين يجمع لهم الملفات الدليل على ما قدمه لهم من خير، وللكنة الثالث المراكشية وهو يخبرنا من قلب الألم أن الأشياء «سانك سانك» قدرة الجملة على البقاء إلى أبد الآبدين محفورة في ذاكرة الناس.

لكن للثلاثة هاته الأيام اجتماع غير مفرح كثيرا وهم يرقدون على فراش المرض، بفعل السن، بفعل الإعياء، بفعل الإجهاد، بفعل عوادي الزمن وتقلباته تلك التي لا تترك واحدا منا دون أن تمسه في يوم من الأيام.

عبد الرحيم التونسي، وشهرته بين الناس عبد الرؤوف، وحرفته الأولى والأخيرة إضحاك المغاربة قبل زمن الأنترنيت بوقت طويل، يوم كانت التلقائية والبساطة تحكمان عقول الناس، ولا تتحملان مستويات اللعب بالدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة من الكلام.

يرقد عبد الرؤوف اليوم في المستشفى العسكري شاكرا التحرك الملكي لإسعافه قبل فوات الأوان ومتمنيا دعوات محبيه الكثر، ومستعطفا هو وعائلته مروجي الإشاعات الفارغة لكي يكفوا عما يفعلونه بهاته المصيبة العظمى المسماة «مواقع التواصل الاجتماعي»، التي أضحت بالفعل حاوية كبيرة تجمع كل قاذورات الوقت ولا تكتفي.

أحمد الصعري، من خبر المسارح يوما، ومن جال البيضاء ذات زمن سيعرفه بالتأكيد. محب لميدان لم يعطه شيئا، ورجل خدوم لزملائه الفنانين يوم كان قادرا على حمل تلك الحقيبة الجلدية بين يديه والطواف على الجرائد وعلى النقابات وعلى المكاتب وعلى الإدارات وعلى كل الأماكن التي يمكن أن تقدم للمسرح المغربي شيئا. هو الآخر على فراش المرض يتذكر بالكاد أسماء عديدين قدم لهم شيئا كثيرا ولم يفكروا حتى في عيادته.

ثم تاه تاه، المراكشي المرح، الساخر «المتمشخر» دون أن يتحدث من الوقت صاحب لازمة «سانك سانك» الشهيرة، وأضف إليه إن أردت ذلك الفنان أحمد المزكلدي، وقل إنها إرادة الحياة أن يكبر الناس وأن يمرضوا، وأننا لا نملك أمام أمر مثل هذا إلا أن ندعو لهم بالشفاء العاجل وأن نفعل مستحيلاتنا كلها لكي يستطيعوا مواجهة محنة المرض بكرامة وعزة نفس.

ومع ذلك دعونا نتحدث قليلا عن الجانب الآخر، ذلك الذي نستطيع أن نقوم فيه بشيء، دعونا نسائل نقاباتنا ووزارتنا الوصية وتلفزيوناتنا ومسارحنا ودور ثقافتنا وبقية الأماكن التي ملأها هؤلاء صياحا وفنا وشغبا يوم كانوا قادرين على العطاء.

ما هو دور كل هؤلاء الغائبين المتفرجين؟ هل يكفي أن نمرر روبرتاجا بئيسا حزينا عن هؤلاء في التلفزيون لكي نقول إننا وفيناهم حقهم وندعو معهم في النهاية ونمضي؟ أم ترى كل هاته الجهات التي ملأت أثيرها وساعات بثها وقاعات عروضها بفن هؤلاء في يوم من الأيام ملزمة بأن توفر لهم التقاعد المريح، دون أن نتسول لهم، دون أن نمد اليد، دون أن نطلب شيئا، لأنهم قدموا الشيء الكثير ولم  يتلقوا إلا الشيء القليل، لكي لا نقول إنهم لم يتلقوا شيئا يذكر؟

في الآونة الأخيرة، ومادامت الأشياء بالأشياء تذكر ظهر فنانون صغار في السن، استطاعوا بذكاء أن ينتشروا بسرعة، أن يراكموا مالا كثيرا، وأن يقلبوا حياتهم رأسا على عقب. أغلبية هؤلاء الظاهرين بفعل «البوز» لم يمضوا حتى ربع ما أمضاه هؤلاء الرواد القابعون اليوم على ناصية عجزهم يتأملون بحزن شديد الحياة ويسألونها «لماذا؟».

أقل الأشياء، أضعف الإيمان، أقرب الأمور إلى الحياء أن نقلل من الهوة، أن نقارب البعد الكائن بين من ظهر لسنة أو سنتين وأصبح من أثرى أثرياء المشهد، وبين من ظهر منذ ستينيات القرن الماضي، ويذهب بعناد شديد نحو لقطة النهاية وعيناه لا تستطيعان حتى فعل البكاء طالما أنه يفهم أن الدموع لن تصلح لشيء على الإطلاق.

هي مجرد حكاية فنية مغربية، قاسية علينا جميعا إذا شئنا استمعنا إليها، وإن لم نشأ تركناها وراء ظهورنا والتفتنا إلى ما نعتبره أهم بطبيعة الحال.