السياسة

دافقير يكتب عن 20 فبراير.. مخاوف لم تجانب الصواب

يونس دافقير الجمعة 23 فبراير 2018
Protesters hold signs as they shout slogans during a demonstration in Casablanca
Protesters hold signs as they shout slogans during a demonstration in Casablanca

AHDATH.INFO - عن الأحداث المغربية

كانت فكرتنا بسيطة وواضحة سنة 2011: داخل حركة 20 فبراير هناك توجهان، الأول يبحث عن مدخل إلى الديمقراطية، والثاني يريد من الحركة أن تكون منفذا نحو السلطة.

وحدث أن تعاطفنا مع التوجه الأول، وقد كان يشكل أقلية، لأنه بالنسبة إلينا هو امتداد لتاريخ نضالي مغربي خالص، ولم يكن التاريخ قد بدأ معه وحده، مثلما يتوهم بعض الذين كتبوا هذه الأيام أن المغاربة لم يتخلصوا من خوفهم إلا في ذاك «الربيع العربي».

ورأينا في هذا التوجه استعادة، وفق شروط جديدة، لروح المطالب الدستورية التي رافقت أول دستور مغربي، ولمسنا فيها كثيرا من حقوق العدالة والإنصاف التي رفعها المغاربة في 1965 و 1981 و 1994 وفي غير ذلك من المحطات الأقل إشعاعا في دفاتر تاريخ حركاتنا الاجتماعية الوطنية..

وفي المقابل، كنا صارمين أيضا في موقفنا من التوجه الثاني، وكانت قناعتنا أن مرجعيته الأيديولوجية ومشروعه السياسي يعارضان تماما مرجعية خطاب الإصلاح الوطني، كان توجها يريد أن يقودنا نحو «القومة» و«دولة الخلافة».

وبقدر ما سعى ديمقراطيو حركة 20 فبراير إلى إرساء مقومات الدولة المدنية ونظام سياسي يقوم على فصل السلط والعدالة الاجتماعية، كان مريدو الشيخ عبد السلام ياسين منشغلين باقتناص السلطة. وما بين مطمح السلطة ومبتغى الديمقراطية بون شاسع لا جدال فيه ولا خلاف.

ومع ما عاشه بعض الفاعلين السياسيين، في أوساط اليسار على الخصوص من ارتباك وتيه سياسي في تدبير التحالفات الميدانية، لم نسمح لذاك التشويش التنظيري المسمى يومها «الكتلة التاريخية» أن يحجب عنا حقيقة جماعة العدل والإحسان، والتباسات مشروعها السياسي.

ولم نكن بحاجة إلى كثير من الوقت كي تظهر لنا الوقائع ومآلات الأشياء أننا لم نجانب الصواب، وحدث ذلك في اللحظة التي قررت فيها الجماعة الانسحاب من الحركة الاحتجاجية التي لا تساير هواها السياسي، فظهرت الأقلية الديمقراطية في أوساط الحركة بحجمها العددي الذي زكى مرة أخرى مقولتنا، التي كان مفادها أن الجماعة تركب فعلا على نضالات الفبراريين.

لقد أراد العدلويون منفذا إلى السلطة، وحين لم يتحقق لم تعد تشغلهم مطالب الديمقراطية. وفي تلك الفترة كانت مصر تقدم لنا نموذجا تطبيقيا في ما كانت تضمره الجماعة من نوايا ملتبسة لو أمكنها القبض على مفاصل السلطة.

هناك في ميدان التحرير ركبت جماعة الإخوان المسلمين على شعارات ثورة 25 يناير، وتعايشت مع العلمانيين واليساريين والليبراليين وعموم الطيف الاجتماعي المصري، لكنها وحين وصلت إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، ألغت مشروع الديمقراطية لصالح إرساء دولة «الإسلام هو الحل».

وكاد الأمر نفسه يحدث في تونس لولا براغماتية حركة النهضة ونضجها من جهة، ويقظة الحركة اليسارية والنقابية، التي فوتت على إخوان راشد الغنونشي الإعادة المأساوية للنموذج المصري.

ومشكلة الإسلامين أنهم يرددون شعارات الديمقراطية، لكنهم يخضعونها لتأويل تعسفي لا يعني بالنسبة إليهم سوى الحكم والحكومة. وهذا بالضبط ما حدث أيضا في تجربة حزب العدالة والتنمية الأكثر وضوحا والأقل راديكالية من جماعة العدل والإحسان.

حين انتهى المغاربة من التوافق حول الدستور، انتقلوا إلى خوض تجربة انتخابات تنافسية ولعبة سياسية مفتوحة، وفي النتيجة احترمت صناديق الاقتراع لما صعد إخوان عبد الإله بن كيران لأول مرة إلى مقاعد السلطة.

كان تخوفا مشروعا ذاك الذي جعل كثيرين يتساءلون كيف يمكن لحزب لم ينخرط أبدا في معارك الإصلاح الدستوري أن يتكلف بتفعيل أول وثيقة دستورية تضعنا على خط التماس مع نظام ملكي برلماني. ومرة أخرى سيظهر الفارق بين من يسعى إلى الديمقراطية ومن يبحث عن منفذ إلى السلطة.

كان كل هاجس عبد الإله بن كيران أن يقايض الدستور بالحكومة، وبمعنى أوضح أن يقايض الديمقراطية بالسلطة. وعلى مدى ولايته الحكومية ما فتئ يجتر تأويلا رئاسيا للدستور، ولم يتعب من البحث عن ثقة القصر على حساب ثقة المغاربة في دستورهم الجديد.

وحين يعود كثيرون هذه الأيام إلى استعادة لحظات حركة عشرين فبراير، بحقائقها وأوهامها، يحق للذين تحفظوا على بعض غموضها ومنزلقاتها أن يرددوا اليوم بأنهم كانوا صادقين فيما ذهبوا إليه من قناعات تؤكدها وقائع تاريخنا الوطني الخاص مع ما سمي ذات لحظة رومنسية «ربيعنا العربي».

لقد كنا نردد وسنظل نقولها دائما: لا يمكن لمن يطمح للديمقراطية أن يسير جنبا إلى جنب مع المتربصين بالسلطة.

ومن غير الممكن الرهان في التأويل الديمقراطي للدستور على فاعلين سياسيين ظهر أن همهم الأوحد هو أن يدخلوا الحكومة كي لا يخرجوا منها أبدا.