السياسة

لغزيوي يكتب: جرائد لا تطير !!

بقلم: المختار لغزيوي الاثنين 02 أبريل 2018
Royal-Air-Maroc-787-Business-Class-Review-6
Royal-Air-Maroc-787-Business-Class-Review-6

AHDATH.INFO

تقترب من نهاية سلم الطائرة، أو النفق المؤدي إلى داخلها لإركابك، تمد لك المضيفة الجميلة حزمة من الجرائد، أو تضعها أمامك. تشكرها، وتشكر الناقل الوطني «لارام» أن الشركة فكرت في إعطائك فرصة القراءة أثناء الطيران. تلف حزام السلامة حول وسطك جيدا. تقرأ بعضا من أدعية الركوب والسفر والاستغفار، وتتذكر كل حوادث الطيران التي سمعت عنها في نشرات الأخبار، ثم تطمئن نفسك بتلك الإحصائية العجيبة التي لم تطمئن أحدا في يوم من الأيام أن أكثر وسائل السلامة في التنقل في العالم هي الطائرة، وتقنع نفسك أنك ملزم بالبقاء لأن الفرار في هاته اللحظة سيكون أمرا مضحكا، وتفهم ألا اختيار لك إلا الصبر على ساعات السفر الطويلة إلى حين الوصول، وفي الانتظار لا بأس من بعض القراءة.

تطالع العناوين المقترحة عليك من طرف الخطوط الملكية المغربية مشكورة. لا تجد طبعا جريدتك المفضلة الأولى «الأحداث المغربية». تقول «لا بأس، هاد الجورنال ديما كان مظلوم وربما وصلت الجريدة متأخرة عن موعد الإقلاع». لا تجد «الصباح» هي الأخرى تقول «لا بأس ربما لا تحب لارام أخبار الرياضة والمجتمع كثيرا». لا تجد «الأخبار» تقول لنفسك «لا بأس ربما لا يروق كثيرا للارام ما يكتبه رشيد نيني في الصفحة الأخيرة». لا تجد أخبار اليوم تقول «لابأس، ربما تنتظر لارام إطلاق سراح توفيق بوعشرين وبعدها لكل حادث حديث». لا تجد «المساء» تقول «لا بأس، ربما لاتحب لارام الجرائد التي ترتدي اللون الأحمر والأسود أو ربما لا تروقها نصائح دكتور الفايد الصحية». لا تجد أيضا الأسبوعيات الشهيرة. لا «أيام» مفتاحنا الوطني، ولا «أسبوع» مصطفانا العلوي الشهيرة، وطبعا حين الفرنسية، أو لغة الإفرنجة، وهي لغة الطيران الأولى في البلد، لا تجد المجلات الأشهر في الأكشاك ولا الجرائد.

بعد مرور ساعتين من الفكاهة والمرح، وأيضا من التحليق، وبسبب ارتفاع الضغط الجوي، وأيضا ربما بسبب مشروب القهوة الغريب الذي احتسيت منه خمسة، أو ستة أكواب جرعة واحدة، ولم تقتنع أن الأمر يتعلق بقهوة حقيقية لحد الآن، لذلك تعاود الارتشاف بغية الاقتناع الكامل، تجد ما يكفي من الجرأة لكي تسأل المضيفة الجميلة «شنو سميتك آلزوينة؟» أولا، قبل أن تنتبه أن اسمها مكتوب في شارة على صدرها، وقبل أن تعاجلها بالسؤال الثاني: «شكون كيقرر الجرائد اللي كتطلع آبور، أي على متن الطائرة؟»، تبتسم المضيفة الجميلة مبرزة أسنانا في غاية الروعة، وتقول لك «هاد الشي آسيدي والله ماكنفهم فيه».

تبتسم في وجه ابتسامتها وترد عليها بأحسن منها «بحالي آللا حتى أنا والله ماكنفهم فهاد الشي».

تعيد الكرة مرة أخرى، وتفتح الجرائد المقترحة عليك محاولا قراءتها، أو على الأصح محاولا فهم الملابسات والألغاز التي تحبل بها، والتي توجد في ثنايا مقالاتها، والتي تتيح لها أن تصعد إلى الطائرة، ولا تتيح لجريدتك وللجرائد التي تعد في حكم المنافسة والتي هي «راس السوق» بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء أن تطير هي الأخرى نحو كل الوجهات.

لا تجد، للأمانة لا تجد ولن تجد. مهما بحثت لن تجد تبريرا واحدا، ولا تفسيرا منطقيا سليما.

تقول إنها ربما الأشياء الخفية تلك التي لا يجب أن تسأل عنها لأنها ستسوؤك، وأنها أمور في غاية الخطورة تمنح لهاته الجريدة جناحا، أو جناحين من أجل الارتفاع على علو فراسخ وأقدام، وتقص عن البقية كل وسائل التحليق وإن كانت شراعية أو على علو جد منخفض، بل تمنع عنها حتى ربط نفسها بمظلة احتياطية تقيها شر التحطم على الأرض حين السقوط المفاجئ، أو حين انخفاض الضغط الجوي، أو حين غير ذلك من الطوارئ والملابسات.

تقفل الجرائد المقترحة عليك. تكتشف أن لديك جهاز فرجة أمامك مليئا بآخر الأفلام السينمائية العالمية، تتذكر أن ساعات التحليق أمامك مازالت طويلة، تضغط على زر التشغيل، تختار الفيلم الأخير الذي خلق الجدل في ساحة الفن السابع العالمي «نادني باسمك»، تضع السماعات بعناية على أذنيك. تضغط «بلاي» وتسلم قيادك للغة الإنجليزية وعينيك للدبلجة المكتوبة بالفرنسية وتستسلم للفرجة. ثم تنام..

تنام نوما عميقا، فيأتيك الهاتف في المنام يطبطب على كتفيك، ويطلب منك عدم الغضب أو الغيظ، ويشرحها لك بلغة المغاربة بالبساطة كلها «صديقي، المسألة سهلة جدا، هناك جرائد تطير وهناك جرائد لا يمكنها أبدا أن تطير، مثل الناس تماما ومثل كل الأشياء في الحياة». صافي. تبتسم في قلب قيلولتك المرتفعة، وتواصل النوم ومداعبة الأحلام..