السياسة

رحيل برنارد لويس "المؤرّخ المحيِّر".. عبقري أم شيطان؟!

(الحياة) الاثنين 21 مايو 2018
2018-05-21_124422
2018-05-21_124422

AHDATH.INFO - متابعة

تحت عنوان "برنارد لويس المؤرّخ المحيّر: عبقري أم شيطان؟"، كتب محمّد علي فرحات في صحيفة "الحياة": لم يُكمل برنارد لويس سنته الأولى بعد المئة، إذ توفي فجر أمس في الولايات المتحدة منهياً حياة طويلة حافلة بالإنجاز الأكاديمي في تاريخ العرب والمسلمين، وبالحضور في خلفية أصحاب القرار في الولايات المتحدة، خصوصاً بعد هزيمة العرب في 5 حزيران 1967، وصولاً إلى الغزو الأميركي للعراق في عهد جورج بوش الابن مطلع الألفية الثانية.

وَصف لويس نفسه عام 2012 قائلاً: "بالنسبة إلى البعض أنا عبقري، أما البعض الآخر فيراني تجسيداً للشيطان". هذا القول تأخر عقوداً عن أشرس هجوم تعرض اليه لويس في كتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد الذي احتفت به أوساط أكاديمية غربية وعربية. وحده صادق جلال العظم انتقد سعيد قائلاً: "لقد وهبتَ برنارد لويس في كتابك حياة ثانية لا يستحقها".

لكن لويس حظيَ بحيوات عدة، فهو أولاً أكاديمي بارز قدّم أطروحته عن "الإسماعيلية"، وكان أول من أطلق لفظة "الحشاشين" على الجماعة في قلعة آلموت، كما حظيَ كتابه عن العرب في التاريخ رواجاً بعد الحرب العالمية الثانية واستقلالِ دول عربية ونشوءِ إسرائيل.

وهو ثانياً أكاديميٌ بريطاني متمرّس تسلّم كرسياً في جامعة "برنستون" الأميركية، وتقدّم بمؤلفاته عن السلطنة العثمانية استناداً إلى إطلاعه على أرشيفها، ومن هنا كان اهتمامه المتواصل بالمشرق العربي وشؤون المسلمين، وطالما عبّر لويس عن إعجابه بالمرحلة العثمانية، مؤكداً أنّ الاستبداد العربي لا يعود إلى أصلٍ عثماني كما يردّد كثيرون، وإنّما إلى الفاشية والنازية الأوروبيتيْن اللتيْن ألهمتا النخب الحاكمة في الدول العربية الحديثة، ووصل الأمر به إلى نفي الإبادة الأرمنية التي اتُهم بها العثمانيون، ما استدعى إدانته من محكمة فرنسية.

وهو ثالثاً المؤرخ المنخرط في السياسة والمنحاز إلى الصهيونية بدءاً من سبعينات القرن الماضي، مكرّساً حيزاً في كتاباته لما يسميه "جذور الغضب الإسلامي" التي ألهمت هنتنغتون نظريته في "صراع الحضارات"، ومهّدت لاعتبار الإسلام وريثاً للشيوعية في الصراع الدولي. وأصدر لويس كتباً كثيرة أقل قيمة من دراساته التاريخية، فقط لكونها تُعنى بالثورات الإسلامية وتواكب انطلاقَها وتراجعها.

هو آخر المستشرقين الكبار، نُسبت إليه خرائط لتقسيم دول عربية استخدمها كثيرون للنيل منه، بلا سند ولا تحقيق، كما نُسبت إليه أبوية المحافظين الجدد الذين شكّلوا فريق جورج بوش الابن. وقد يكون ذلك صحيحاً، لكن الرجل كان مستشاراً لا صاحب قرار، وليس من إثبات أنه اطلع على أوامر باجتياح دول وتدمير مجتمعات. بل أن مقربين منه أكدوا تركيزه على مبدأ الشورى في الإسلام، وترداده كلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم (اختلاف أمتي رحمة). وأعلن لويس غير مرة أنّ الاستبداد الدولتي العربي هو تشبّه بالديكتاتوريات الأوروبية، وبالتالي فهو نموذج غربي. ويعترف أصدقاء لويس بأنه كغيره من النخب الأوروبية والأميركية مؤيد لإسرائيل، ولم تخلُ كتاباته عن سياسات العرب من شوفينية ونقدٍ حاد لأدائهم.

وُلد في لندن لعائلة يهودية متوسطة الحال، ودرس في جامعات بريطانية وفرنسية، قبل أن يصبح مدرّساً مساعداً للدراسات الإسلامية في "سواس" - لندن عام 1938. ثم أصبح أستاذاً في الكلية نفسها بين عامي 1949 و1974، حين انتقل إلى جامعة "برينستون" الأميركية، مكمّلاً حياته هناك أستاذاً فخرياً.

أبرز مؤلفاته: "مستقبل الشرق الأوسط"، و"تعدد الهويات في الشرق الأوسط"، و"تشكيل الشرق الأوسط الحديث"، و"العرب في التاريخ"، و"الإسلام من النبي محمد إلى الاستيلاء على القسطنطينية"، و"العرق والعبودية في الشرق الأوسط: استقصاء تاريخي".

برنارد لويس ولد بريطانياً ومات أميركياً، وسجل مساراً معاكساً لمسار الشاعر ت. إس. إليوت الذي ولد أميركياً ومات بريطانياً. كان الشاعر يبحث عن الروح العميقة للغته، في حين كان المؤرخ يرغب في رؤية قيادة العالم وهي تعمل من خلال الجامعات ومراكز الأبحاث.