آراء وأعمدة

الوهم والحقيقة

أسامة خيي الاثنين 08 ديسمبر 2014
الوهم والحقيقة
MR-ELBRINI2

بقلم: محمد البريني

 بادئ ذي بدء، لابد من الوقوف عند المناورات العسكرية التي قيل إن الإنفصاليين قاموا بها في المدة الأخيرة: إنها تدريبات حربية موجهة ضد بلادنا. هذا أمر معروف، وبعد. إنها تجري فوق التراب الجزائري. إن الذي يقوم بها جيش غير جزائري. إن هذا الجيش غير الجزائري يرابط بدباباته، ومصفحاته، وأسلحته المختلفة، فوق أرض الجزائر. إنه لا يمكن أن يتم كل هذا بدون أمر من أعلى سلطة في الدولة الجزائرية. إنه لا يمكن أن تجري هذه المناورات خارج تأطير ورقابة الجيش الجزائري. هل هذا سلوك دولة مسالمة لا تمارس سياسة العداء ضد بلادنا؟ هذه دولة تستضيف فوق ترابها «دولة» أخرى بـ«جيشها»، و«حكومتها»، و«بوليسها»، و«مخابراتها» و«سجونها»…إلخ. هل يصدق العقل أنها تقوم بهذا كله لوجه الله، وأنه مجرد تضامن مع «شعب من أجل تقرير مصيره»؟ في أية بقعة من العالم يوجد شيء مثل هذا؟ أليست هذه كلها أساليب لتغذية وهم، تم خلقه خلقا؟ على كل حال، يستطيع النظام الجزائري الاستمرار في تغذيته بالمناورات العسكرية، وبغيرها. لكن إلى متى؟

 اليوم وغدا، الأكثر تضررا من هذا الوهم، هم «اللاجئون» في تندوف. والأكثر استفادة منه، هم عناصر قيادة «البوليساريو». أربعة عقود وهؤلاء «اللاجئون» محاصرون، يعيشون في ظروف قاسية. ليست لهم هوية وطنية. اختلق لهم النظام الجزائري هوية وهمية. من أراد منهم العودة إلى وطنه، منع من ذلك منعا. من ولدوا في المخيمات، لا يعرفون عن وطنهم سوى الصورة المشوهة التي يرسمها لهم الانفصاليون والإعلام الجزائري. هذا الوضع مرشح للاستمرار سنوات أخرى، وقد يطول لعشرات السنين.

المغرب لن يفرط في صحرائه إلا إذا تم احتلاله من طرف تحالف عسكري أجنبي أقوى من قواته. وهذه فرضية غير ممكنة الحدوث. المغرب ليس عراق صدام حسين، ولا أفغانستان الطالبان حتى يقوم تحالف دولي باكتساحه. قد يتوهم النظام الجزائري أنه قادر على إلحاق هزيمة عسكرية ببلادنا، فيغامر بشن عدوان مسلح عليها. في هذه الحالة، عليه أن يتذكر أن للمغرب شعب يحميه، وجيش باسل قادر على صد العدوان مهما كان حجمه، مثلما صد كل الاعتداءات التي اقترفت في الماضي. فلا العدوان العسكري الجزائري، ولا القرارات الدولية المعادية لحقوقنا الوطنية، قادرة على إخراج المغرب من صحرائه. أربعون سنة من العدوان والمؤامرات لم تنجح في تركيعه، واستمرار النظام الجزائري في التناور والتآمر، عقودا أخرى، لن ينجح في اقتطاع أي جزء من خريطة بلادنا. هذه حقيقة يجب أن يضعها الجميع نصب عينيه.

بناء عليه، فإن الأحلام التي ظل نظام الجزائر يوزعها على أولائك «اللاجئين» سوف تتبخر، وسوف تتحول إلى كابوس، إن لم تكن قد تحولت إليه فعلا. ما هو المخرج البديل الذي يقترحه عليهم؟ هل يمنحهم، في يوم من الأيام، الجنسية الجزائرية؟ هل يفتح لهم الباب للإندماج في المجتمع الجزائري؟ بالتأكيد، لن يفعل شيئا من هذا. «اللاجئون الصحراويون» في تندوف مجرد ورقة يستعملها من أجل إدامة الأزمة مع المغرب، لأن أطرافا داخله تستفيد منها، وأداة يتسول بها زعماء الانفصال، ويستنجدون عطف بعض المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام.

اليوم، مثل الأمس، في المغرب وحده يوجد الخلاص من الوهم ومن الكابوس. باقتراحه مبدأ الحكم الذاتي، وبإعلانه أن الوطن غفور رحيم، يكون قد منح لمواطنينا، الذين يدركون أنهم محتجزون، الحل البديل لـ«غيتو» تندوف. إنه يحررهم من الحصار المضروب عليهم. يضمن لهم العودة إلى وطنهم، وجمع شملهم بعائلاتهم وذويهم. يمنحهم بطاقة وطنية حقيقية. يوفر لهم الحياة الطبيعية، الخالية من قساوة العيش في الاحتجاز داخل مخيمات منتشرة في أراضي قاحلة. يعفيهم من استجداء المعونات الأجنبية، والإحساس بأنهم عالة على هذه الجهة أو تلك. يحررهم من قبضة نظام الجزائر وقيادة «البوليساريو». يعيد لهم كرامتهم كمواطنين مغاربة كاملي الحقوق والواجبات.