الكتاب

عنوان لايشبه بقية العناوين : « العدلاويون » والمادة الرمادية ! 1/2

بقلم: المختار لغزيوي الأربعاء 18 يوليو 2018
maxresdefault
maxresdefault

AHDATH.INFO

حرك الشباب في "الأحداث المغربية" من خلال عنوانهم المستفز استفزازا إيجابيا لعدد الإثنين، نقاشا ساخنا في الفيسبوك المغربي حول المراد من العنوان، ومعناه، وهل الجريدة أصبحت توزع صكوك الوطنية، وهل العدل والإحسان مواطنون كاملو المواطنة أم لا، وهل يحق لجريدة أن تضع عنوانا من اختيار هيئة تحريرها، يناقشه الناس بهدوء دون أن يسبوا الجريدة، ومالكيها ومؤسسيها، والعاملين فيها، ومسيريها، ومن تبعهم بصحافة إلى يوم الدين، إلى آخر نقاش طويل عريض تابعناه باهتمام كبير عل صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

هنا لا مفر من قليل الكلام حول الموضوع، ولا بد من نقل النقاش التفاعلي الافتراضي من أماكنه الحية في الفيسبوك وتويتر إلى أماكن نقاش هادئ، يأخذ وقته في التفكير على صفحات الورقي مما تفرضه علينا مهنتنا ويفرضه علينا احترامنا للمتلقي، سواء كان متلقيا يدفع دراهم الجريدة لكي يقتنيها من بائع الصحف أم كان متلقيا بخيلا لكن متعالما يكتفي بالعنوان العريض في الفيسبوك، ويمنعه كسله من قراءة المقال وبعد ذلك تكوين الحكم الذي يحلو له أن يكونه.

في هاته الجريدة، ومنذ لحظة التأسيس الأولى كان من سبقونا يعرفون أنهم قادمون من صحافة حزبية يريدون القطع معها لأنها أسست عديد اليقينيات منها الزائف ومنها الحقيقي. وكانوا يعرفون أن ممارستهم للمهنة وفق احترام كل الأجناس وعدم الخلط بينها، وتقديم الخبر خبرا عاريا من التوابل المرافقة، وتقديم الرأي الحر والجريء وإن كان صادما أو "ضد التيار"، وتقديم الحوار البعيد عن التقليديانية وعن "حدثنا عن بداياتك رجاء سيدي"، وتقديم الروبرتاج القريب من الناس الذي يلتقط مالايلتقطه عادة الآخرون، وتقديم التحقيق المستند إلى المعلومة الموثقة وإلى البحث المضني والفعلي وغير السهل عن الحقيقة أو عما يقترب من الحقيقة  (من سبقونا هؤلاء كانوا يعرفون أن هاته الممارسة) لن تجلب إليهم التنويه فقط، ولن تحيطهم بالمعجبين الراغبين في شكرهم على المجهودات التي يقومون بها، بل كانوا متأكدين أنها ستجلب عليهم ناقمين كثرا لن ينظروا لمسألة الخلخلة هاته لكثير من التوافقات الكاذبة بعين الرضا أو القبول.

لذلك أخذت هاته الجريدة، وهي تحتفل هذه السنة بعامها العشرين (كل سنة وحضراتكم طيبين مثلما يقول المصريون) بالتحديد أكثر من غيرها نصيبا وافرا من السب ومن الشتم ومن التكفير ومن التخوين، ومن الكلام الساقط ومن الوصف ب"الأخباث المغربية"، وبجريدة "من القلب إلى القلب" ومن الأوصاف التي إن حاولنا حصرها لن ننتهي. بل ومررنا في لحظة من اللحظات إلى مرتبة أعلى وأصبح إسم الجريدة يذكر في المنابر داخل المساجد، وأصبح بعض غلاظ القلوب والعقول من أهل الفظاظة يأمرون المؤمنين البسطاء بعدم اقتناء هاته الجريدة أو إدخالها إلى منازلهم أو مساسها لأنها من "نواقض الوضوء" (كذا والله !! )

ولقد تقبلنا ذلك كله وغيره كثير بصدر رحب لإيماننا أننا نقدم منتوجا للرأي العام ولا مفر من احترام الانتقادات قبل التنويهات. وحتى عندما وصلتنا قنبلة إلى داخل مقر مؤسستنا، لم نتجاوز في رد الفعل إخبار رجال الشرطة الذين استغربوا استهتارنا بالطرد البريدي الملغوم، واستنكروا علينا أن وجدوا الموظف المكلف بالاستقبال وهو يعبث به ضاحكا غير عابئ بخطورته، ومعلنا تأكده أن الأعمار بيد الله، وأن هاته الجريدة بالتحديد قدرها في هذا المجتمع، الذي يقول كلمة واحدة ووحيدة ويسير عليها ولا يرغب في سماع أى شيء آخر يزعجه، هو أن تتطوع للقيام بهذا الدور لأنه من الضروري أن يقوم به شخص ما أو جهة ما.

هذا المجتمع الذي جبل على سماع نفس الكلمة، ونفس الرأي، والذي يغتاظ كلما دفعته دفعا نحو تحريك المادة الرمادية الموضوعة داخل جمجمته يهمنا رغم كل شيء.

طبعا نحن نستطيع أن نتعامل معه مثلما يتعامل معه آخرون بمنطق "اكذب عليهم فإنهم لن يفطنوا"، أو "بعهم شعارات كثيرة علنا واذهب في الخفاء وتحالف مع الشيطان حتى"، أو غير ذلك من أساليب الكذب والاحتيال والنصب والصيرفة وماشابه مما يعرف الكل حكاياته في هذا المشهد الصحافي المسكين.

لكننا لسنا من هذا النوع ولا من هاته السلالة. فقد اخترنا الوضوح، وجعلنا المغرب خطا تحريريا لنا، والوضوح نقطة قوة أعلى نقول من خلالها مانؤمن به من أفكار وآراء، ونسمح من خلاله لأعدى أعدائنا أن يكتب لدينا رأيه دون أي إشكال. ونتحدى فعلا من خلال هاته الروح الرحبة والواضحة والشاسعة الضيقين الذين لايستطيعون سماع كلمة اختلاف واحدة، ولا يسمحون لرأي مغاير أن يعبر جرائدهم، ورغم ذلك يكتبون صباح مساء عن الحرية والديمقراطية ويطالبون الآخر بأن يفتح لهم المجالات وهم يقفلونها على أنفسهم ويكتفون.

لذلك سعدنا بأن حركنا بعضا من تلك المادة الرمادية الإثنين، بعنواننا حول العدل والإحسان التي قال البعض إننا جردناها من وطنيتها مع أن الفرق واضح بين المواطنة وبين الوطنية، ومع العلم أن العدل والإحسان جردتنا في سابق الوقت من ديننا وهو أمر علمه عند ربنا وشيء بيننا وبين خالقنا ولا علاقة للجماعة به من قريب أو من بعيد.

مرد سعادتنا يعود إلى أن جزءا من عمل الصحافة هو عملية الخلخلة هاته، لا نقل مايكتب في الفيسبوك ووضعه بالبنط العريض في صدر الصفحة الأولى والذهاب لشرب الحليب ساخنا والنوم مبكرا للاستيقاظ مجددا للذهاب للبحث في الفيسبوك عن خبر مشابه يصلح عنوانا مثيرا وكفى.

لا، هذه ليست صحافة. هذه سخافة، وقد ميزنا في سنواتنا الأولى بين الصحافة والسخافة وفهمنا أن الصحافة الحقيقية التي تعلمناها من أساتذتها الفعليين في هذا البلد ليست هي هذا الهراء. ونحن لا نكتفي بالإيمان بهاته البديهية. نحن نطبق إيماننا هذا، وفيما بعد نواصل الشرح لهذا الأمر إلى أن يقتنع به من لا يحركون مادة دماغهم الرمادية إلا في النادر من الأوقات…ومن لا يقومون بعملية التحريك هاته إلا بعد أن تدفعهم "الأحداث المغربية" إليها المرة بعد الأخرى.

نكمل فيما بعد الكلام، فحديث المادة الرمادية داخل الجمجمة حديث ذو شجون فعلا...