الصحراء

عنوان لايشبه بقية العناوين: العدل والمادة الرمادية (الحلقة 2)

بقلم: المختار لغزيوي الخميس 19 يوليو 2018
Capture d’écran 2018-07-17 à 10.34.10
Capture d’écran 2018-07-17 à 10.34.10

AHDATH.INFO

ونكمل حديث المادة الرمادية - إن وجدت - لدى العدلاويين، ومن سايرهم بمظاهرات في شوارع المغرب كلما دعت الضرورة إلي إعلان ركوب جديد. ونستأنف حديث الأمس بالتأكيد على أن التظاهر السلمي أمر حضاري ورائع، وأننا من أكبر أنصاره، ونراه بديلا متقدما للعنف ضد الخصوم في الجامعات أو في المصانع أو النقابات، ونعتبره البديل الوحيد لإسماع صوت أي غاضب أو راغب في مطلب ما أو محتج على شيء ما. لكننا نميز بين الخروج وبين الخروج، ونشتم من تلقاء ماراكمناه من خبرة في تتبع قضايا الوطن على امتداد كل هاته السنوات المظاهرة الحاملة لهم ما، والمظاهرة المحمولة على هم ما للوصول إلى أمور أخرى لاعلاقة لها بالشعار

ماذا وإلا - مادمنا نتحدث عن موضوع الحسيمة - فإن العدل والإحسان، كانت ملزمة بالتواضع قليلا مع من سبقوها إلى نداء المسيرة الأولى في الدار البيضاء، وهي المدينة التي حوكم فيها النشطاء والتي يقبعون في سجنها الأشهر  عكاشة، وكانت مضطرة للتجاوب مع الداعين للتظاهر، لكنها لم تفعل شيئا من ذاك. لاذا؟

لأنها لا تصطف وراء أحد. ولأنها تعرف، وقد قالتها غير مامرة في عشرين فبراير وفي غير عشرين فبراير، إن الآخرين الذين يتحالفون معها في المظاهرات يعانون من العنوسة الجماهيرية، ولا أناس يتبعونهم في الشوارع، ومظاهراتهم محكوم عليها كلما دعوا لها بأن تكون بالعدد القليل من الناس. ولذلك أيضا تفرض العدل والإحسان قانونها في هذا التظاهر بأن تكون القائدة والمسيرة ومطلقة النداء وصاحبة التهييء واللوجيستيك، ولذلك رأينا الأحد العبادي مرشدها أو أمينها العام أو حامل سر ياسينها متقدما الصفوف الأولى في رسالة واضحة من الجماعة للجميع، حلفاء وخصوم، تقول من خلالها : إما أن أكون الراكبة الأولى على كل الأمواج أو لا أكون...

في هذا الصدد لا بأس من استحضار نفس النقاش الذي عشناه في 20 فبراير بحذافيره، سوى أن ذاكرة بعضنا قصيرة أو هو يفضل الزهايمر وسيلة للإنكار ولإقناع نفسه بغير الحق: الجماعة كانت تقول منذ البدء للمتحلقين حول "الهوندات" وللصادحين بالشعارات، وللحالمين بتغيير حضاري مدني يقوده عقل غير ظلامي : صيحوا كما تشاؤون واصرخوا مثلما تريدون، لكن قطف ثمار هذا الذي يقع في الشارع لن يكون إلا من نصيبي.

وحين استوعبت الجماعة أن "البيك نيك" الديمقراطي مثلما أسميناه في حينه، أي خرجات عشية السبت وصبيحة الأحد، لن تؤدي الغرض الذي حركت الجماعة أتباعها لأجله لن يتحقق، انسلت بين عشية وضحاها من الخرجات وتركت الشباب يقودون "الهوندات" لوحدهم وانتهت الحكاية النهاية التي يعرفها الجميع، والتي عشنا تداعياتها على امتداد السنوات السبع الأخيرة كلها

اليوم تحس العدل والإحسان أنه من الممكن تجريب اللعبة بطريقة أخرى: الاعتكاف في المنازل وانتظار أي احتجاج شعبي قطاعي والسطو عليه ، وتحويله من شعاره الأصلي الذي خرج لأجله إلى شعار خاص بالجماعة يخدم أهدافها هي فقط، ولا يضع في اعتباره  "الفضلاء الديمقراطيين" الذين يوهمون أنفسهم المرة بعد الأخرى أنه من الممكن التحالف مع الجماعة لأجل الديمقراطية والحرية والنضال وبقية الكلمات..

الجماعة واضحة جدا في موقفها وفي التصرفات المرافقة لهذا الموقف، وبين قوسين هو ليس أمرا جديدا لديها، ففي السنوات الأولى للاستيلاء على المواقع الجامعية و"تحنيط" الاتحاد الوطني لطلبة المغرب باسمها كانت تقوم بنفس الأمر مع الخصوم ومع الحلفاء أو مع من كانوا يعتقدون أنفسهم حلفاء لها. وماالغزوات التي عرفتها الجامعات المغربية بداية التسعينيات (واسألوا حامي الدين عن غزوات ظهر المهراز مثلا فقد عايش بعضا منها قبل أن يغير الانتماء)  إلا الدليل القاطع على انعدام أي فكر تشاركي لدى هاته الجماعة في تسييرها لصراعها مع الدولة، أو في اشتغالها لخدمة هدف مؤسسها الأول ياسين المرتكز كلاما فقط على منهاج النبوة وبقية الأدبيات التي شكلت منطلق هاته الجماعة.

لذلك عندما قلنا في عنواننا الذي أغضب البعض "حضرت العدل والإحسان غاب المواطنون" لم نقصد تجريد الناس من وطنيتهم ولا من مواطنتهم، فهذه مسألة غير موكولة لنا إطلاقا ولا نملك لأجلها أي سلطة، ولكننا قصدنا بشكل واضح أن المنتسبين والأعضاء والمتطاطفين هم الذين لبوا النداء نصرة لطلب الجماعة الذي أطلقه والد ناصر الزفزافي عوضها بعد اللقاء الشهير مع العبادي.

وعندما وضعنا هذا العنوان قصدنا التمييز بين مظاهرة شعبية فعلا يهب إليها المواطنون من كل ألوان الطيف السياسي وحتى غير السياسي، وبين مظاهرة خاصة بجماعة تم التهييء لها والتعبئة لحضورها من طرف القطاعين الشبيبي والنسائي، وتم التحضير لأجل جعلها رسالة مضادة لمسيرة البيضاء التي سبقتها بأسبوع واحد.

هذه هي حكاية ذلك العنوان الذي أثار كل ذلك اللغط، وهو لغط لم يدهشنا ولم يرهبنا لأننا نعرف اليوم أن مقدار الشجاعة الذي يتطلبه الكلام العاقل الهادئ الرصين، هو أكبر بكثير من مقدار الشجاعة الذي يتطلبه إطلاق الكلام في الهواء، والتلويح بالشعارات المناضلة الكبيرة التي فقدت معناها، لأن الكل يرددها عن صدق أو كذب ودون خوف من أي شيء طالما ألا  ثمن سيتم أداؤه بعد كل هذاالكلام.

لذلك تخون الشجاعة الكثيرين اليوم، ويفضلون العوم على عوم التيار الغالب في الشارع وفي الفيسبوك وفي مواقع التواصل الاجتماعي. ولذلك يبدو المشهد حزينا وغير منذر إلا بالمزيد من النزول. فمن يجبن عن قول رأيه الحقيقي مسايرة للتيار وخوفا من الجموع، كيف ستطلب منه أن يذهب معك إلى مايفوق قول هذا الرأي إذا ماتطلب الأمر ذلك؟