الكتاب

لغزيوي يكتب: الشباب…هاته المعادلة الصعبة حد القلق

بقلم: المختار لغزيوي الجمعة 24 أغسطس 2018
Maroc
Maroc

AHDATH.INFO

لم يكن خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب عاديا مرة أخرى. كان على شاكلة الخطب الملكية الأخيرة كلها، حافلا بالرسائل، صريحا حد قول كل شيء، شفافا في التأكيد على أن الحل الوحيد للمشاكل التي نواجهها هو أن نعترف بوجودها وأن نشرع في وضع الحلول أو بدايات الحلول لها .

على رأس هاته المشاكل، مشكلة شبابنا الأولى: البطالة.

لا أسرة واحدة في المغرب دون أي استثناء تنجو من هذا الشبح. إذ يستحيل تقريبا أن تعثر على عائلة مغربية ليس فيها شاب أو شابة يعانيان من مرور الوقت عليهما دونما عمل ودونما دخل، ويعيشان الموت البطيء القاتل، ويعانيان وتعاني معهما الأسر التي لا تعرف إن كان عليها أن تتدبر شؤون يوميها التي لا تنتهي، أم عليها أن تتحمل، دون أن تند عنها بادرة تأفف وإن خفيفة، حمل الشاب أو الشابة العاطلين إلى أن "يحن الله".

يزداد الأمر صعوبة واستعصاء عندما يكون المستوى التعليمي الذي أرسل هذا الشاب أو هاته الشابة إلى العطالة متوسطا أو دون المتوسط أو ضعيفا، مكتفيا بحفظ غير ذكي كثيرا، مستندا على منهجيات تعليمية أكل عليها الدهر وشرب ولم تعد تنتج إلا العاطلين، ولم تعد تربي حتى ملكة النقد عند الخريجين إلا من رحم ربك.

وعندما كان المغاربة فيا بينهم يستغربون أو يمثلون دور المستغربين لفضيحة الماستر وبيعه بالملايين، التي قالت جامعة محمد بن عبد الله بفاس إنها ستحقق في ملابساتها، كان العارفون بحال الجامعة المغربية غير مستغربين إطلاقا، لأنهم يطالعون في "سيفيهات" طلب الشغل عبارة "موجز  في الآداب"، و"موجز في الدراسات الإسلامية" عوض مجاز، وقد كتبها طلبة تخرجوا حيثا ويريدون الاشتغال في شيء ما كيفما كان نوع هذا الشيء، ويعرفون بها أن المصاب جلل في تعليمنا وأن الفقد فادح وجلل فعلا.

أيضا عندما نقرأ في مواقع التواصل الاجتماعي نعيا من طرف دكاترة وحاصلين على ماستر ينهونه بكتابة الآية الكريمة "إنا لله وإنا إليه راجعون" ب"إن" بكل فخر (إن لله)، أو عندما يكتبون "لاحولة ولاقوة إلا بالله" عوض "لاحول"، ولا يحسون بأي ألم أو حياء أو خوف أو خجل، يشعر العديدون عوضهم بوخز ضمير جمعي، يقول لنا إن مانلقنه للأبناء وللإخوة الصغار في المدارس والجامعات لا يتوفر فيه حتى الحد الأدنى من احترام المبادئ الأولية والأساسية للتعليم.

لذلك كان دق ناقوس الخطر حول التعليم واجبا، وكان الإعلام بأن تعليمنا لايمكن أن يظل على حال ضروريا، وكان التأكيد أساسيا بأنه يجب أن يغير من منهجيته، بل من مناهجه، لكي يصبح أولا تعليما يعلم الناس شيئا حقيقيا وصحيحا وعلميا، ولكي يلقن هؤلاء الخريجين ثانيا أشياء تنفعهم فعلا في حياتهم بعد الدراسة، أي تفتح لهم أبواب سوق الشغل على مصراعيها وتعطيهم شيئا يستطيعون أن يفيدوا به المؤسسات والشركات والمقاولات والإدارات وبقية المنشآت التي يذهبون إليها راغبين في العمل ضمنها أو فيها أو معها.

ثم لابد من كلمة عن التجنيد الإجباري أو الخدمة العسكرية أو أسموها ماشئتم، وقد شكلت حدث عطلة العيد الكبير لدى المغاربة بكل تأكيد.

هذه استجابة طيبة وإيجابية ورائعة ل مطلب لطالما ردده العديدون، وهم يرون حالة الضياع التي يعاني منها جزء كبير من شبابنا، لم تسعفهم الظروف لإكمال التعليم ولم تساعدهم الحياة للعثور على مهن يدوية يعيشون بها، ولم تتوفر لهم تربية ملائمة للاندماج دون خسائر في المجتمع، فارتموا إما في أحضان المخدرات والكحول وبقية الذاهبات بالعقول، أو في أحضان التطرف والإرهاب والأفكار العدمية التي تقتل شبابنا وتقتل كبارنا المرتبطين بهؤلاء الشباب

هذه الخدمة العسكرية أتت في أوانها، لكي تساعد جيلا بأكمله على التمكن من بعض مساعدات على العيش وعلى مواجهة الحياة، بعيدا عن حضن الأسرة الذي يتمادى أحيانا في عطفه على الصغار والأقل صغرا إلى أن يقتل فيهم كل حس مغامرة أو مبادرة أو رغبة في مواجهة مشاق الحياة والتغلب عليها وصنع شيء ما بأنفسهم بدون اعتماد على الآخرين باستمرار..

مشكلة شبابنا هي مشكلتنا جميعا سواء كنا كهولا أسسنا حيواتنا، ونعتبر مخطئين أننا لن نتضرر من بطالة الصغار ومن بقائهم على قارعة كل شيء في هذا البلد، أو كنا شيوخا تقاعدنا ونتخيل أننا "قطعنا الواد ونشفو رجلينا" ونتصور أننا لن نربح شيئا من كل هذا النقاش.

مشكلة شبابنا هي مشكلتنا اليوم وغدا، ولا مفر من التذكير بأنها نتاج مشاكل عديدة كانت بالأمس، أغفلنا مواجهتها وفضلنا دفن الرؤوس في الرمال، وحاولنا أن نقضيها بتركها وهاهي اليوم كالشبح تنتصب أمامنا ترعبنا وتخيفنا على مستقبلنا جميعا سواء كنا فئة ناجية تتصور ألا خشية عليها ولا هي تحزن، أو كنا من أبناء الشعب المكتوين بمايمسه، العارفين والمتأكدين أن هذا القارب المغربي إما سينجو بنا جميعا، أو لا قدر الله، سنكون مضطرين لإفراغه من المياه التي تتسرب إليه من كل الثقوب دونما يقين فعلي أننا سننقذه - لو تمادينا في تمثيل دور غير المكترثين بالمشاكل الحقيقية - من المصير المحتوم.

شبابنا ليس ورشا فقط علينا فتحه والانكباب على إيجاد الحلول السريعة له. شبابنا هو حاضر هذا البلد، وهو مستقبلاه القريب والبعيد، وهو ماتبقى من أمسه الذي ترك ندوبا كثيرة على جبين هذا الوجه المشترك الذي يجب أن نكذب مايقوله المثل المأثور عنه وأن نتمكن يوما من غسله غسلا حقيقيا يزيل عنه كل الأدران والأوساخ العالقة، ويبدأ بنا جميعا من جديد السير إلى الأمام.

ملحوظة لاعلاقة لها بما سبق

حمل العيد السعيد لنا خبرا سعيدا بخصوص عدد كبير من معتقلي أحداث الحسيمة، عندما صدر خبر العفو الملكي عما يناهز المائتين منهم، وهو مؤشر طيب وبداية جد مشجعة للعثور على بداية ما لحل الإشكال، ولطي مايمكن طيه في هذا الملف الأليم.

لنقلها مجددا لمن يريد الإستماع إلينا طبعا: الإنصات للعقل السليم سيحمل خيرا كبيرا للمعتقلين ولعائلاتهم. أما المزايدات فستظل مزايدات والسلام..والخير أمام بكل تأكيد، فهذا البلد والد، والوالد لاينسى أبناءه مهما فعلوا بكل تأكيد...