مجتمع

الشرعي يكتب عن الدارجة في التعليم: نقاش مغلوط

بقلم: أحمد الشرعي الاثنين 10 سبتمبر 2018
Capture d’écran 2018-09-10 à 10.20.20
Capture d’écran 2018-09-10 à 10.20.20

AHDATH.INFO

يحتدم النقاش هذه الأيام حول إدراج ألفاظ من الدارجة المغربية في مقررات دراسية. الأخبار المفبركة والزائفة، والإشاعات والأكاذيب والتكذيبات تقذف من الجانبين، وهي كلها ليست سوى تفاصيل صغيرة في مشكل أهم وأعمق. المعركة فكرية أولا وقبل كل شيء، وفي نفس الوقت غير واقعية بالمرة. ففيما تنزع جهة من الفرقاء إلى فكرة استعمال الدارجة لتكريس الخصوصية المغربية، يدافع الفريق المعارض على الإبقاء على العربية لغة أساسية للتعليم، كنتيجة طبيعية لانتماء عربي – إسلامي قائم.

الهوية المغربية متعددة وتخترقنا جميعا في كل تفاصيل حياتنا، في المطبخ والأزياء، في أثاثنا وأعراسنا وأفراحنا وأعيادنا... تحويل اللغة إلى رهان هوياتي سنة 2018 مسألة مجانبة للصواب تماما.

علال الفاسي وعبد الهادي بوطالب خريجي القرويين.. مصطفى القصري الذي ترجم سان جون  بيرس، ذو اللغة الشعرية الأعقد في تاريخ الأدب الفرنسي.. سعيد الصديقي وآخرون، لمعوا كمزدوجي اللغات دون أن يفقدهم هذا الانفتاح أدنى ذرة من مغربيتهم. العلاقة بين اللغة والهوية كان موضوع راهنا خلال فترة ما بعد الاستعمار، أمام اليوم، فالموضوع لم يعد حديث الساعة.

وظيفة اللغة الأولى هي التواصل. والمغرب ضيع الكثير من الفرص بعد التعريب ومازال يتحمل تداعيات هذا القرار. سيكون من الحكمة أن لا نرهن مستقل البلاد في نقاشات أيديولوجية متقادمة أو من خلال تسابق تجاري محض.

نعيش وقائع عولمة وكونية معلنة. دور المدرسة يتقرر في إعداد أجيال قادمة ستسير مقاولاتنا وإداراتنا، ونأمل أنها ستقود أحزابنا أيضا، بعد 20 سنة. في فرنسا تفرض المدارس العليا تعلم لغة ‘‘المانداران‘‘ الصينية على طلابها لأن الصين أصبحت قوة اقتصادية لا يمكن تجاوزها. ما الحلول التي تقترحها الدارجة المغربية ؟ لاشيء. اللغة العربية تضمن التواصل مع المحيط الجغرافي القريب لا غير. التمكن من اللغات الأجنبية، ومنذ سن مبكرة، يجب أن يصبح الرهان الأساسي في التعليم.

قرار مماثل لا يمكن أن يصدر عن الرباط فقط. من المفروض أن تسمح الجهوية، للأكاديميات المحلية، اختيار اللغات التي ترغب في تطويرها استنادا إلى نوع التنمية المحلية في كل جهة، ونوعية الاستثمارات المنتظرة فيها، والدول التي تأتي منها هذه الاستثمارات، و دول الأسواق المفترضة في استقبال منتوجاتها المحلية.

سيكون من البديهي مثلا أن يتوقف اختيار الجهتين الشمالية والشرقية على تفضيل الإسبانية، أو أن تطور المدن السياحية مضامين تعليمية بالألمانية والروسية والصينية لأن الأسواق التي تتكلم بهذه اللغات في غاية الأهمية لمشروعها السياحي وهكذا... نحن بحاجة إلى جيل متعدد اللغات، لأن المستثمر لن يبذل أي مجهود لتعلم الدارجة قبل الاستقرار في المملكة والعمل فيها.

تخويف المجتمع بموضوع الهوية واستغلالها لأسباب أخرى يجب أن يتوقف. الدستور المغربي واضح في مسألة الهوية المتعددة للمملكة، دون تفضيل لأي بعد هوياتي على باقي الأبعاد في الشخصية المغربية، والمغاربة يقبلون العيش في هذا التنوع دون مشاكل. في كل المرة كانت البلاد في خطر، كانت الهوية المتعددة للمملكة صمام الأمان الأول في الدفاع عليها. الانفتاح واجب وليس اختيارا، وهو أمر لن يتم دون التمكن من اللغات الأجنبية. ليس هناك أي خطر في تبني هذا التصور، كما أن الانفتاح على اللغات الأخرى لن يشوه المجتمع المغربي.

كم سيكون مهينا لتاريخنا.. الاعتقاد بأن هويتنا سهلة الذوبان إلى هذا الحد.