ثقافة وفن

كارثة وطنية

أسامة خيي الاثنين 22 ديسمبر 2014
كارثة وطنية
gq43a

AHDATH.INFO - خاص

من بين الطبائع التي تربى عليها أفراد فئات واسعة من المغاربة في سياق تنشئتهم الاجتماعية أنهم لا يقبلون على الإطلاق مشاهدة صورة بلدهم تتمرغ في الإعلام الخارجي. ومن عادتهم أنهم ينتفضون بشدة عندما تقوم وسائل إعلام أجنبية بنقل ما ينتقص من شأن بلدهم وما يجعل وطنهم موضوعا للسخرية والاستهزاء. فمفهوم الكارثة الوطنية بالنسبة إلى الكثير من المغاربة لا تعكسه بالضرورة مشاهد مدن وقرى وهي غارقة في فيضانات مهولة تترتب عنها وفيات وتؤدي إلى تشريد العديد من العائلات، أو صور بيوت في أحياء شعبية تهاوت فوق رؤوس ساكنيها، أو مناظر حرائق مهولة تلتهم الأسواق والمصانع والغابات وتُخلف الضحايا بالعشرات، أو حوادث سير فظيعة تتسبب فيها أخطاء بشرية. لأن مثل هذه الحوادث والآفات يمكن أن تحدث في كل بلدان العالم. ولأن مشاهد الفياضانات والأعاصير وحوادث السير واندلاع الحرائق وانهيار البيوت وتصدع الطرق والجسور لا يمكن أن تثير في النفوس عند انتشارها في وسائل الإعلام أكثر من أحاسيس الحزن ومشاعر الأسى، ويمكن أن يسميها البعض قضاءً وقدراً، وقد يُطاب آخرون على إثرها بالتحقيق في أسبابها دون أن تثير سخطا عارما يعم الأوساط الاجتماعية برمتها. لكن، عندما تُحاول الدولة أن تسخر كل إمكانياتها لكي تُروج صورة جيدة عن البلد، وتصرف المبالغ الباهظة من أجل احتضان مؤتمرات عالمية ومهرجانات دولية وتظاهرات رياضية كبرى، تكون جميع كاميرات العالم مُسلطة عليها، فتحدث مهزلة غريبة تكشف عن وجه متدنّ للبلد، حينئذ تتجسد بالنسبة إلى الشعب الكارثة الوطنية الحقيقية.

كان من الطبيعي أن يعتبر عدد كبير من المغاربة أن ما حدث في ملعب مولاي عبد الله بالرباط مساء يوم 13 من الشهر الجاري كارثة وطنية، وأن ينتفض الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويُطالبوا بإسقاط الرؤوس التي تسببت في هذه الكارثة. فلم يسبق في التاريخ الرياضي الحديث، أن ظهرت في تلفزيونات العالم مشاهد لعُمال داخل ملعب صُرفت على إصلاحه مبالغ طائلة، وهم يحاولون سُدى إزالة المياه المتجمعة فوق العشب، بوسائل اعتبرها معلقان في قناة رياضية دولية تنتمي إلى العصور البدائية.

كيف يمكن أن يتقبل العقل البشري أنه في اللحظات التي كانت فيها السماء تسكب بدون توقف عشرات الأمتار المكعبة على الملعب، يُسمح لعُمال بالدخول إلى الملعب حاملين "سطولا" مكتوب فيها اسم ماركة من ماركات الصباغة التي من المفروض آلا تظهر في الشاشات دون ضوابط متفق عليها ضمن عقود الإعلانات الإشهارية القانونية، لكي يشرعوا في تجفيف بضعة لترات من المياه بواسطة "الكراطات" وقطع الإسفنج المتسخة، وبغرس الرفوش المسننة في العشب؟ هل الذين أمروا أولئك العمال المغلوبين على أمرهم بالقيام بذاك السلوك المضحك كانوا يؤمنون حقا أنهم بتلك التقنية الغبية سيتخلصون من البرك المائية في الوقت الذي كانت فيه السماء تُمطر بغزارة؟ وهل الرؤوس الصغيرة التي أمرت العمال بأن يقوموا بتلك الأفعال في  الملعب كانوا سيكونون مضطرين لاتخاذ ذاك القرار لو أن الرؤوس الكبيرة المسؤولة عن هذه الحالة قامت بعملها بشكل جيد ولم تحوّل البلد إلى أضحوكة عالمية؟ فإذا كان هذا الموقف المخزي غير ذي أهمية، متى يمكن إذن الحديث عن كارثة وطنية؟

أحمد الدافري