الكتاب

#ملحوظات_لغزيوي: كولومبو والمحاكم والعمى !

بقلم: المختار لغزيوي الاثنين 08 أكتوبر 2018
الريسوني-620x330
الريسوني-620x330

AHDATH.INFO

كولومبو المقاصدي !!

في السابق كنا نعرف المفتش كولومبو القادر على حل كل ألغاز وجرائم الدنيا. اليوم أصبح لدينا «عالم مقاصدي كبير»- والله من وراء القصد طبعا - يقوم بنفس الدور، ويحل أشد الجرائم غموضا وتعقيدا.

الأمر يتعلق بأحمد الريسوني، الذي ارتكب حلا لمشكلتين تتشابهان حسب تصوره تهمان محمد يتيم وجمال خاشقجي.

الريسوني رأى تشابها بين يتيم وبين خاشقجي في نقطة واحدة فقط، هي نقطة الخطيبتين اللتين اتهمهما مباشرة بالتورط في صور الخطيب الأول بالنسبة لرفيقة يتيم، وفي استدراج خاشقجي إلى تركيا بالنسبة لرفيقه هذا الأخير..

سبب الاتهام الكبير للمرأتين هو أنهما الآن تعيشان بسلام حسب الريسوني، في الوقت الذي يعاني يتيم من تبعات صوره الباريسية وفي الوقت ذاته الذي يجهل لحد كتابة هاته الأسطر مصير جمال خاشقجي.

كيف يمكن أن تصل إلى هذا المستوى من الرعونة واستسهال إطلاق التهم، دون أن تتوفر لك دلائل حقيقية اللهم تفكيرك الذي يذهب بعيدا في الخيال إلى أن يصل الحدود المرضية للأشياء؟

لا جواب، وهي ليست المرة الأولى التي يكشف فيها المقاصدي عن تطرفه الخيالي، لكنه فعلا في هاته أبدع وأمتع وسجل نفسه واسمه باعتباره أكبر خبير في علم الجرائم، وحوقلوا وأكثروا من الحوقلة يرحمكم الله مثلما نقول دوما وأبدا..

محاكم شعبية جديدة

ظاهرة تصوير كل شيء، وأي شي التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي هي ظاهرة خطيرة للغاية.

لم نعد هنا أمام أكذوبة «المواطن/الصحافي» التي تم الترويج لها في بداية عهد الناس بهذه المواقع، لكن أصبحنا فعلا أمام المواطن القاضي/الشرطي الذي لا يكتفي بالتصوير، بل يمر إلى إصدار الحكم وإلى تنفيذ القصاص بيده قبل أن يضع ماصوره على الأنترنيت ويمضي.

النتيجة هي أن أناسا عديدين أصبحوا يتعرضون لإهانات ولمساس في السمعة ليس الأنترنيت مكانهما. والكارثة هي أن هؤلاء حتى وإن برأهم القضاء، فيما بعد من التهم الموجهة إليهم يكون حكم الشارع وحكم من شاهد الفديوهات قد صدر وحسم كل نقاش.

التساؤل مشروع عن مدى أخلاقية مثل هاته التصرفات التي تدعي - في مفارقة واضحة - أنها تريد محاربة تصرفات غير مقبولة لكنها تسقط في العكس تماما.

فأن تحارب الشعوذة والدجل هذا أمر جميل للغاية، لكن أن تصور أناسا عاديين وبسطاء يقصدون مكان ذلك الدجل، وأن تشهر بهم عبر الفيسبوك هذا شيء آخر مخالف تماما يد على عطب عقلي أو ما شابه

وقد عبر الشاب الذي صور رواد منزل الدجل، والذي أسمته المواقع المبجلة في الأنترنيت «صائد الساحرات» عن مشكله العقلي هذا، وهو يقول إن والدته أنفقت عليه مليوني سنتيم في جلسات رقية شرعية لكي يتعالج، أي أنه اعترف بأنه يعاني من مشكل نفسي شافاه الله، لكن هذا الأمر لم يمنع المواقع المبجلة مرة أخرى من محاورته وفتح المجال له للحديث.

لقد وصلنا في إعلامنا الجديد أيها السادة إلى مرحلة محاورة "المسطيين" (شافى الله الجميع)، ووصلنا إلى مرحلة التشهير بالناس من خلال وضع فيديوهاتهم وكتابة عبارة «عاجل» عليها والانصراف ووصلنا إلى مرحلة لم يعد يتحدث فيها أحد مع أحد، طالما أن الجميع أصبح مقتنعا بأن الجميع «كيخربق».

هي المرحلة الأخيرة من الجنون الجماعي أو لكي نتحدث لغة الفيسبوك نحن أيضا ونلتحق بقومنا: إنه «السطاج الأخير آلساط»، ولا اعتراض أبدا ولا اعتراض على الإطلاق

أزمة ولكن !

يغادر الوزير الحكومة فيكتشف أن البلاد تعاني من أزمة. يغادر المذيع التلفزيوني القناة فيكتشف أن المغرب غارق حتى الرأس في المشاكل. يغادر المسؤول الشركة فيكتشف أنها فاسدة، ويغادر الموظف العمل فيكتب قصائد لم يكتبها فرزدق ولا جرير في الهجاء والسب والشتم.

لا أحد من هؤلاء يمتلك حين وجوده في المسؤولية شجاعة الحديث عن المشاكل التي يعرفها. لا، سبحان الله هاته المشاكل تظهر فقط حين يغادر سعادته أو سيادته المسؤولية، فتتفتح له شهية الكلام وتزداد عنده القدرة على انتقاد كل شيء واللا شيء، ونكتشف أنه كان يخفي عنا فقط تلك المشاكل حين كان هو في المسؤلية، وقد قرر الآن بعد أن ذهب منها أن ينير لنا العتمة وأن يظهر لنا ما خفي علينا

نعم الأزمة حقيقية وموجودة والبلد فيها مشاكل لا حصر لها، ولكن جزءا كبيرا من مشاكل المغرب هو هذا النوع من الناس الذين لا يكتشفون المشاكل إلا إذا وقعت لهم، أما حين يكون المواطن هو المكتوي بها فالعام يكون «زينا» بقدرة الواحد الأوحد

للتأمل ليس إلا، وأي تشابه مع أشخاص أو وزراء أو مسؤولين واقعيين، فهو من قبيل الصدفة العمياء لا غير عمى العديدين، وهم يتحدثون ويعجزون عن رؤية عدم تصديق الناس لهم في العيون..