السياسة

#ملحوظات_لغزيوي : تلفزيون يحملق فينا !

بقلم: المختار لغزيوي الثلاثاء 09 أكتوبر 2018
bad-tv-screen-ii-glitchy-footage-025195155_prevstill
bad-tv-screen-ii-glitchy-footage-025195155_prevstill

AHDATH.INFO

أثار الفيلسوف ميشيل أونفري عاصفة نقاش في فرنسا من خلال رسالته المفتوحة التي وجهها إلى الرئيس ماكرون، منتقدا إياه على الصورة التي جمعت الرئيس بشابين أسودين أحدهما يظهر ملوحا بأصبعه الأوسط للكاميرا.

ميشيل أونفري اختار طريقة جديدة في  رسالته المفتوحة، إذ حملها بكثير من السخرية والنقد القاسي حمولة جنسية واضحة تذهب بقارئها مباشرة إلى التفكير في ميولات ماكرون الجنسية، وهو ما جر على الفيلسوف أونفري انتقادات حادة وصلت حد اتهامه بأنه ضد المثلية الجنسية والحرية مما يرد عليه الفيلسوف هاته الأيام في كل اللقاءات والحوارات التي يجريها.

هذه النقطة الأخيرة هي التي تهمنا في هذا النقاش: اللقاءات والحوارات التي يجريها هذا الفيلسوف. فبعد أن قام مذيعون من التلفزة العمومية باستبعاد الكاتب الآخر المثير للجدل إيريك زمور من المشاركة في برامجهم، وبعد أن اتخذ مذيعون آخرون نفس القرار في حق أونفري، قامت تلفزيونات خاصة وإذاعات تشبهها في فرنسا باستضافة أونفري طوال اليوم، دلالة رفض هذه الرقابة التي تريد التسلل للمجتمع الإعلامي الفرنسي، والتي أصبحت تفرض نوعا واحدا من الخطاب ولا تستطيع الإنصات لهاته الأصوات المزعجة أو المنفرة أو قل عنها ماشت لكن المخالفة التي تمتلك حق الكلام.

نعم، إيريك زمور يتطرف كثيرا في حديثه عن الهجرة، لكن لا أحد يملك حق منعه من الكلام. ونعم أونفري قد يزعج العديدين بشعبويته التي قد تبدو سهلة والتي لا تتلاءم مع موهبته في الكتابة والتفكير، لكن ليس من حق أحد أن يمنعه من الكلام. هذا هو الاتفاق الذي أجمع عليه مجتمع الإعلام في فرنسا، وهذا هو الرد الذي وجده بعض الراغبين في المقاومة على محاولة الردة هاته إلى الوراء بخصوص من يحق له الكلام ومن يجب عليه أن يصمت وألا يمر أبدا إلى الناس

طبعا لن نتورط في مقارنة نقاش راق مثل هذا مع مايجري في سمعينا البصري المغربي. لماذا؟

لأننا أولا نعرف حدود الممكن من المستحيل في سمعي بصري معاق مثل منتوجنا البصري والمسموع. ثم لأن قرارا هنا تم بأن يكون مستوى التلفزيون عند حدود معينة قوامها برامج الاستسهال التي يمطرق بها المشاهد المغربي طيلة الأسبوع مع استثناءات قليلة تؤكد فقط القاعدة التي فهمناها جميعا والتي تنصحنا بالتوقف عند درجة معينة من الغباء التلفزيوني وعدم التفكير في الصعود قليلا

مشكلة هذا النوع من الاستسهال هو أنه يطرد الطبقة الواعية أو الذكية أو المتفرجة بعلم التي قد تمتلكها، وبالمقابل أنت لاتستطيع مجاراة الاستسهال الغبي المقدم في قنوات أخرى مايعني أنك تفقد حتي تلك الطبقة البسيطة التي تتصور أنها لاتشاهد إلا برامج الضحك على الذقون التي تسمى منوعات أو ترفيها (علما أن الفرق كبير بين الترفيه وبين الغباء)،والنتيجة النهائية هي أن هذا التلفزيون أضحى يتحدث مع نفسه مثل أي مجنون رسمي،يقول الكلام ولايجد من ينصت إليه ولا من يصدقه ولاحتى من يأخذه لاعلى محمل الجد ولاعلى محمل السخرية القاتمة منه

النتيجة الأخرى هي أن الناس ذهبت لكي تبحث عن بدائل منذ سنوات عديدة، وكل وجد ضالته في المكان الذي يروق له، وباللغة التي يعتقدها أقرب إليه، لكن ومع الطفرة الأنترنيتية الهائلة التي اجتاحت المكان، ومع اقتراب آلات التصوير من الجميع، ومع تحول هذا الجميع إلى صحافة تصور وتبث ماتصوره أضحى من المستحيل مراقبة مايراه الناس، وأضحى من العبث حتى التفكير في توجيههم نحو رؤية هاته المسألة وعدم رؤية الأخرى

لذلك تستطيع وسائل إعلام هامشية وصغيرة اليوم أن تؤثر أكثر مما تؤثر الوسائل التقليدية. ولذلك تجد أناسنا موزعين يصدقون هاته الإشاعة أو هذا الفيديو الكاذب المجتزأ من سياقه ولا يثقون في تلفزيون عمومي يفترض أن يكون وسيلتهم الأولى والأساسية لنقل أخبارهم هم، وتناول كل مايهمهم هم، ويفترض أن ينفتح على مجالاته كلها وأن يفتح كل نقاشات المجتمع حتى أكثرها سخونة مع مشاهديه الذين هم مواطنوه في الوقت ذاته لئلا يتركهم يناقشون هاته القضايا في أماكن أخرى مع أناس ذوي نيات سيئة

قلنا إننا لن نتورط في المقارنة، لكننا سقطنا في قلبها، دليلا على أننا لانستطيع عداها. فالعالم اليوم أصبح قرية صغيرة، ومن يعتقد أنه يستطيع أن يمنع المعلومة والنقاش والحوار والسجال الحاد، ورؤية اعتمال كل شيء في المجتمع على شاشة تلفزيونه لم يفهم أي شيء في كل تطورات هذا العالم الصغير الذي نعيش فيه

قطعا لم يفهم أي شيء، وقطعا لن يفهم أي شيء، وبالتأكيد لن يستطيع وهو غير مستوعب لما يجري أن يشرح للآخرين شيئا..

فقط سيستمر التحديق حد البلاهة الذي يسمى الحملقة، رابطا بين الجموع هنا والآن إلى أن يقضي رب الفرجة أمرا كان بالتأكيد مفعولا ...