رياضة

لغزيوي يكتب: "فبلادي ظلموني": شغف لا شغب !

بقلم: المختار لغزيوي الاثنين 19 نوفمبر 2018
Capture d’écran 2018-11-19 à 13.23.17
Capture d’écran 2018-11-19 à 13.23.17

AHDATH.INFO

كثيرون ممن لا يذهبون إلى الملاعب، اكتشفوا أغنية الرجاويين "فبلادي ظلموني" فقط، يوم تم تحويرها ووضعها داخل سياق اجتماعي محتقن وتم اجتزاؤها من مكانها وسياقها الأصليين لكي يتم تحميلها مالاطاقه لها به..

كثيرون حاولوا - وآخرهم معتز مطر في قناة مصرية - ومن قلب جهل ظالم أن يعطوا للأغنية الرجاوية الجميلة والصادقة قراءتهم هم لها، علما أن هذا الأمر كاذب ولا علاقة له بالحقيقة، والأغنية التي تتحدث عن الظلم تحدثت أيضا عن هؤلاء الذين يلوون عنق الحقيقة، من صحافيين وسياسيين ومنتفعين لكي تذهب في السياق الذي يريدونه، إذ ذكرت أن الشغب الذي يقول الكل اليوم إنه يريد محاربته، هو ماكان يتم التصفيق عليه عندما كانت الرغبة قائمة في تشجيع الألترات وإظهار الوجه الحضاري للتشجيع الكروي في الملاعب فقط.

أغنية "فبلادي ظلموني" أغنية صنعت الحدث فعلا، قبل هذا الوقت بوقت كثير، وبالتحديد منذ بدء المناوشات حول قانون الشغب المعروف في الملاعب ب 0 - 4

قانون رأت فيه روابط المشجعين وسيلة للزج بأعضائها في السجن وحرمانها من التعبير عن حبها لفرقها بالشكل الذي تراه مناسبا سواء باللافتات أو "التيفو"، أو بإشعال "الفلامات" أو تسيير "الكورطيجات" أو غير ذلك من المظاهر التي تعتبرها هاته الروابط أساسية لإعلان انتسابها للفريق، وأيضا لإظهار مدى تحكمها في المنتسبين إليها من الأعضاء المتحمسين.

قوة الأغنية تكمن في بساطتها وفي كونها حديث مشجع رجاوي إلى من يحبونه، ومن ينصحونه بالابتعاد عن حب الرجاء، والذين يحذرونه من عواقب الاستمرار في هذا الحب مع ماقد يكلفه من سجن أو اعتقال أو ضياع مستقبلين دراسي ومهني. المشجع يقول لأسرته ولمن ينصحونه هاته النصيحة في الختام إنه لن يتخلى عن حب الفريق وليكن مايكون بعدها ..

هاته الأغنية تم الشدو بها في الملاعب الرجاوية منذ اعتقال الكابو زكريا الذي لقب ب"المظلوم" إثر اليوم الأسود، الذي فقد فيه مشجعان حياتهما إثر شجار بين فصيلي الرجاء المعروفين "الإيغلز" و"البويز". لكن الأغنية عادت إلى الحياة بعد أن تم وضعها في الفيسبوك في المدة الأخيرة وفق التطورات الجارية في نقاشنا المجتمعي حتى تخيلها من لايذهبون إلى الملاعب أغنية سياسية تم إبداعها خصيصا للتعبير عما يجري اليوم.

اللاعبون هذا اللعب غير البريء بهاته الأغنية، ولأنهم لا يذهبون إلى الملاعب الكروية ولا يعرفون جمهور الكرة - ونستطيع أن نقول بالمناسبة إنهم لا يعرفون شعبنا جيدا بصفة عامة وليس جمهور الكرة فقط فيه - نسوا أن للتشجيع الرجاوي حكايات وروايات مع أغاني من هذا القبيل تغنت بالرغبة في الحرية، وأدانت الظلم بكل أنواعه والتفاوت الطبقي، وظلت دوما تعرف معنى أن يكون الرجاء فريق الشعب، وفريق "البير جيكو"، وفريق التمرد منذ 1949 لحظة التأسيس على عديد الأشياء..

الرجاويون هم الذين غنوا منذ سنوات طويلة عن "الكورفا اللاتينية فبلاد الميزيرية"، والرجاويون هم الذين قالوها منذ سنوات بعيدة في الأغنية الأخرى "ملكنا واحد، محمد السادس، والباقي شفارة، وعلينا حكارة كيعمرو الشكارة بفلوس الفقرا".

الرجاويون هم الذين حملوا هذا الصوت الشعبي البسيط إلى الملاعب لكي يوصلوا من خلاله عديد الرسائل، ولم يكونوا يوما ما بحاجة إلى من يترجم للمغاربة مايريدون قوله، لأنهم مغاربة يتحدثون لغة المغاربة، أما من يلعب بهم وبأغنيتهم اليوم لعبته السياسوية حتى وهو لا يفهم في الكرة فهو يفعل ذلك فقط لكي يأكل الثوم بأفواههم لا أقل ولا أكثر.

نعم جمهور الرجاء يمتلك هاته القدرة على الإبداع الشعبي، وعلى تقديم الأغنية البسيطة التي تلتف حولها الجموع، تماما مثلما كان الغيوان يمتلكون هاته الخاصية ذات سبعينيات من القرن الماضي، ولعله السبب الذي يجعل الرجاوي يعتبر نفسه غيوانيا في الأغنية و يقول إن"اللي فقلبو على لسانو"، أي أنه لا يخفي الحقيقة ولا يعرضها لمساحيق التجميل لكي ترضى عليه هاته الجهة أو تلك.

لذلك لا مشكل إطلاقا مع أغنية "فبلادي ظلموني"، بل بالعكس وجب الإنصات لها ووجب فهمها ومحاولة الاقتراب من يعتبرونها تعبر عن جزء من همومهم

المشكل كل المشكل في الجبناء الذين لا يذهبون إلى الملاعب، ولا يختلطون مع شعبنا، ويترفعون عليه، ولا يستطيعون فعل شيء حقيقي خارج الافتراضي، والذين استولوا على الأغنية وجعلوها بمثابة "المانيفستو" المدافع عن كل فانتازماتهم لأنهم لا يمتلكون مايكفي من الشجاعة لكي يتحدثوا هم بلسانهم، فتجدهم يهربون إلى لحظات شعبية جماعية مثل هاته لكي يتخفوا فيها علما أن علاقتهم مع الشعب ليست سوية إلى الحد الذي قد يظنه المستمع إليهم أو المصدق لكلامهم الكاذب

صوت الشعب إذا كان خاليا من النفاق ومن محاولات اللعب السياسوي المكشوف هو صوت يجب الاستماع إليه، وهو صوت لا تنبغي محاربته بل ينبغي فعلا التوقف لدى رسائله، الإنصات لها جيدا، فهمها وفهم المراد منها، ثم الاستجابة للممكن الاستجابة إليه من تلك المطالب.

هذا مايفعله العاقلون في كل مكان. الحمقى يزايدون على بعضهم البعض المزايدات الفارغة التي لا تنتهي وفي الختام يشرعون في تبادل اللوم وإلقاء المسؤولية - تلك التي لم يعرفوها في يوم من الأيام - على بعضهم البعض

في الأغنية، أغنية "فبلادي ظلموني" عبارة جميلة للغاية عن قتل الشغف لدى المشجع الكروي المغرب وتشجيع الشغب بالمقابل هي عبارة "قتلتو لاباسيون (la passion)، وبديتو البروفوكاسيون (la provocation)".

هي عبارة تستحق كثير التأمل لأن من قتلوا الشغف هم فعلا من شرعوا الأوائل في الشغب. إبحثوا عن قاتلي الشغف في ملاعبنا الكروية، إبحثوا عمن تسلل إلى كرتنا المحلية المسكينة في غفلة من كل شيء، وأساء إليها وخلق فيها عديد الكوارث، وستجدون بالتحديد المسؤول الحقيقي عن الشغب دون أدنى إطالة في الكلام..