كلمة الأحداث المغربية

بين «سننصب المشانق» و«لن نسلمكم أخانا»..

حكيم بلمداحي الثلاثاء 18 ديسمبر 2018
E3B87ED3-4460-4146-8604-8C9730B4ED00-600x300-c
E3B87ED3-4460-4146-8604-8C9730B4ED00-600x300-c

AHDATH.INFO: حكيم بلمداحي

من يريد قتل بنعيسى أيت الجيد مرة ثانية؟ من يرغب في طمس الحقيقة؟ من يخشى تكريم ذكرى شخص اغتصب حقه في الحياة ظلما وعدوانا، ومن حقه علينا كمجتمع أن تظهر الحقيقة كاملة في ما وقع؟

هي جملة من الأسئلة وغيرها تصوغ نفسها تزامنا مع قرار قضائي جديد يظهر أنه اعتمد على معطيات جديدة في القضية، وهو قرار ليس بالحكم وإنما بمحاكمة تفرض قرينة البراءة وتبقى فيها السلطة للقضاء ليحكم اعتمادا على القانون.

شخصيا، لم يزعجني القول إن في أمر متابعة حامي الدين، القيادي في العدالة والتنمية، تصفية حسابات سياسية، بكل بساطة لأن ما تعرض له أيت الجيد جريمة اغتيال سياسية في الأصل.. لكن المزعج حقا هو هذا الضغط الذي يمارسه الحزب القائد للحكومة، والموقف الذي اتخذه بشكل عاطفي لمناصرة أحد أبنائه، ولو كانت هذه المناصرة تخالف المطلوب أخلاقيا وسياسيا وقانونيا. والأكثر إزعاجا هو شكل المناصرة، الذي يجعل وزيرا يشكك في استقلالية القضاء فجأة، وقيادي يهدد بفتح أبواب جهنم، ومناصرون يرفعون هاشتاغ لن نسلمكم أخانا. 

ألم يكن من الأجدر ترك المحاكمة تسير في شكلها القانوني والقيام بكل المتعين قانونيا للدفاع عن أخيهم؟

لست هنا أبدي موقفا من محاكمة حامي الدين، ولست أنحاز إلى أي من الفريقين بالشكل الذي يحاول به «الإخوان» تقسيم المغاربة اليوم، على الرغم من انتمائي إلى أسرة اليسار قيما ومبادئا وفكرا. لكن لن أخفي هما واحدا قد يشترك معي فيه البعض، هو أن جريمة اغتيال أيت الجيد يجب أن يعرف المغاربة حقيقتها وحقائقها، فهي أولا جريمة سياسية اقترفها تيار سياسي ويتحمل فيها مسؤوليته التاريخية.. أيت الجيد لم يقتل في شجار بين طلبة أو مع لصوص أو منحرفين. أيت الجيد قتل لأنه ينتمي لتيار سياسي ينشط داخل الجامعات المغربية. أيت الجيد قتله تيار سياسي يختلف معه في الفكر والرؤية والأيديولوجيا.. أيت الجيد أيضا قتل عن سبق إصرار من قبل تيار سياسي معروف للأمن والدولة.. ونفس التيار الذي يرفع اليوم هاشتاغ لن نسلم لكم أخانا، كان يرفع في تسعينيات القرن الماضي شعار سننصب المشانق، وبنعيسى أيت الجيد مات بإحدى تلك المشانق.

إن النقاش الذي يحاول البعض جرنا إليه هو العمل على إخراج الموضوع عن طريقه السليم، والدخول في متاهات التعويم والتمويه والقفز عن حق طبيعي في معرفة من قتل أيت الجيد؟ من المنفذ ومن المحرض ومن المقرر؟ من خلال هذا فقط يمكن التعرف على ما كان يجري في تلك الحقبة الأليمة من تاريخ الجامعة المغربية والتاريخ المغربي. 

لقد شاهدنا في تسعينيات القرن الماضي أناسا يهجمون على الكليات وعلى الأحياء الجامعية، وكانوا على شكل تنظيم عسكري وبأهداف ومخططات لا يمكن أن تكون خافية عن الأجهزة الأمنية في ذلك الوقت. الأخطر من هذا هو أن مديرا لحي جامعي في ذلك الوقت استدعى ثلاثة طلبة قاعديين وطلب منهم أخذ الحيطة والحذر، لأن أشخاص على شكل تنظيم شبه عسكري سيهاجمونهم في الحي. والخطير أن الهجوم تم، وجاء أشخاص ينقسمون إلى ثلاث فرق يميزهم لون العصابة التي يضعونها على رؤوسهم وكانت بالأحمر والأخضر والأسود، فعاثوا تنكيلا بالطلبة وعادوا من حيث أتوا سالمين.. هذا دليل على أن جهة ما في الدولة كانت تعلم ما يجري وما سيقع.  

الأمر، إذن، يفوق مسألة معرفة حقيقة اغتيال أيت الجيد، وإن كان متصلا، بل هو حق في معرفة حقيقة ما كان يجري، وما إذا كان هناك تحريض، أو استغلال لجهة ما من جهة ما للقيام بدور تصفية تيار سياسي في الجامعة، وربما في المجتمع؟

إن المطلب الذي يجب أن يرفع اليوم هو معرفة الحقيقة كاملة.